صدرت لائحة الموارد البشرية بقرار وزاري رقم 1550 في 9 / 6 / 1440ه، وكان لها أثر في إنشاء حقوق والتزامات تخص موظف الخدمة المدنية إلا أن في المادة 209 الفقرة «ب 4» نصت على (أنه لا يعد اشتغالاً بالتجارة بيع أو استغلال الموظف إنتاجه الفني أو الفكري وأنه يعد من قبيل الإنتاج الفكري تقديم الاستشارات القانونية وما شابهها) فاللائحة جعلت تقديم الاستشارات القانونية أمرا جائزا للموظف، بينما نظام المحاماة قصر تقديم الاستشارات القانونية على المحامي الممارس، فهذا النص فيه مخالفة لمبدأ تدرج القاعدة القانونية، ووجه ذلك أن نظام المحاماة صدر بمرسوم ملكي بينما لائحة الموارد البشرية صدرت بقرار وزاري. كما أن الفقرة التي ذكرتها حوت خطأ علميا، ووجه ذلك: الإنتاج الفكري الذي يقصده صائغ اللائحة يُسمى في الفقه بالملكية الفكرية أو الحقوق المعنوية أو حق الابتكار ولها أسماء أخرى لكن ليس من أسمائها الإنتاج الفكري، كما أن ليس من أقسام الملكية الفكرية تقديم الاستشارات فمن أقسام الملكية الفكرية: الملكية الصناعية، والملكية التجارية كالاسم التجاري، والملكية الأدبية مثل حق المؤلف، فيتضح لنا أن تقديم الاستشارات هو عمل مهني ليس له علاقة بالملكية الفكرية، ولذلك في كل دولة من أراد تقديم استشارات فعليه بأخذ ترخيص من الجهة المختصة؛ مثل ذلك من أراد تقديم استشارات محاسبية فعليه أخذ رخصة من الهيئة السعودية للمحاسبين، ومن أراد تقديم استشارات طبية فعليه أخذ ترخيص من الهيئة السعودية للتخصصات الطبية وذلك من أجل أن تتأكد الجهة المختصة من تأهيل مقدم الاستشارة ولضبط العلاقة وتحديد المسؤولية بين طالب الاستشارة ومقدمها وفق الأنظمة واللوائح، ومن هنا يتضح أن تقديم الاستشارات هو عمل مهني لا يجوز لموظف الخدمة المدنية فقد نص نظام الخدمة المدنية بأنه (لا يجوز للموظف الجمع بين وظيفته وممارسة مهنة أخرى) وعليه يتضح لنا أن صائغ اللائحة قام بليّ أعناق النصوص الفقهية والنصوص القانونية لتجويز تقديم الموظف الاستشارات القانونية. تقديم الاستشارات عمل أصيل في مهنة المحاماة فهي تشمل إعداد الدعاوى ولوائح الاعتراضات والمذكرات الجوابية وصياغة العقود وصياغة القانونين واللوائح، وتقديم غيره لهذه الخدمات هو إخلال بالمهنة وإضرار به، كما أن هذه الخدمات يقدمها المحامي للعميل بمسؤولية وفق معايير وأسس مهنية تحكمها نظام المحاماة وهذا لا ينطبق على الموظف. كما أن تقديم موظف الخدمة المدنية للاستشارات القانونية لا يخلو من تعارض مصلحته مع مصلحة الوزارة أو المنشأة التي يعمل وهذا يخالف المادة التاسعة عشرة من مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة. كما أن تقديم الموظف للاستشارات القانونية متحصناً بهذا النص من اللائحة له آثار سيئة يستغلها الموظف الفاسد غطاءً للرشوة وإفشاء أسرار العمل وتسريب الوثائق والمعلومات وقد يكون هذا الغرض الأصلي من تقديم الاستشارة. وأخيراً أتمنى أن تقف إدارة المحاماة بوزارة العدل والهيئة السعودية للمحامين موقفا حازما للتصدي لهذه الفقرة من اللائحة لما فيها من تعدٍّ على مهنة المحاماة ولما لها من آثار سيئة.