من الأبجديات الحضارية المعاصرة المتفق عليها؛ أنّ القوانين الدوليّة تحفظُ لشعوب العالم حريتها واستقلالها، كما ترفض الدول من جهتها التدخل الخارجي في شؤونها، لاسيما إذا كانت ادعاءات باطلة. وهناك دول عظمى ذات تاريخ عريق في بناء السياسات والاقتصاد والعلاقات الخارجية مع دول العالم. بل تُعد من الدول التي يُقتدى بمسارها، بما يخص تعاملها مع شعوبها ودول الجوار وهي قدوة أحيانا في التعاملات والعلاقات الخارجية. ولكن عندما تصبح حكومات هذه الدول تحت سيطرة المنظمات العالمية أو ما يسمى بمنظمات وهيئات المجتمع المدني التي تديرها مجموعات ذات توجهات مشبوهه تحكمها رغبات خاصة، تسعى في مجمل توجّهها إلى السيطرة على القرارات والمقدّرات، وتوجيه الإعلام بما يحقق مصالحها الخاصة، فإن هذا قد يؤثر في سياسة الدولة وخصوصاً عندما تكون الحكومة ضعيفة أو لديها انتماء إلى هذه المنظمات والهيئات المشبوهة. بدليل أن هناك برلمانات ومجالس تشريعية تستمد معلوماتها من مراكز الفكر، أو من مراكز أبحاث موالية لدول معنيّة، أو تعكس رغبة وثقافة جنس أو منظمة لتحقيق مصلحة خاصة على حساب الشفافية والصدق والعدالة. ونعلم يقيناً أنّ الدول المتحضرة ذات السيادة والريادة تعتمد في تسيير مجتمعاتها ونظامها- في الغالب- على ثلاثة قطاعات مهمة جداً هي: القطاع الأول: يمثل الحكومة التي تدير وتشرف على الدولة ومصالحها الداخلية والخارجية جنبا إلى جنب مع القطاعات الأخرى وهي منظمات وهيئات المجتمع المدني وقطاع المال والأعمال الغير حكومية. عندما يُفقد التوازن بين هذه القطاعات الثلاث، فإن الأقوى هو من يتحكم في الإعلام وخصوصا عندما يكون إعلام ربحي يعتمد على مصادر الدعم الخارجي، ولديه الرغبة في الانتشار على مستوى العالم؛ بغض النظر عن المبادئ الأساسية التي تخدم الإنسانية، وتحترم القرارات السياديّة، والتي يجب أن تكون قواعد إنطلاق أي مؤسسة إعلامية؛ وهي الشفافية والصدق والموثوقية بدليل أن هناك تقارير لا تستند إلى أي مرجعية ولا تبني على أساسيات أو إحصائيات موثقة. ولكنك تجد هذا الإعلام سواء من خلال القنوات التلفزيونية العالمية أو الصحف والمجلات المرموقة، أو عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي تردد أخباراً وتقارير مضادة، لا تستند إلى الحقيقة. بل هناك حكومات وبرلمانات تبني قراراتها على تقارير ضنيّة، واحتمالاتٍ مكذوبة أوكيديّة. فمثلاً تجد مسؤولاً -كبيراً- يتحدث بصفة رسمية، وتتفاجأ بأنه يبني حديثه على مصادر مجهولة تعتمد على الظنون والاحتمالات. وهنا يعلم المتلقّي علم اليقين أنّ هذا التقرير لا تقوم إلاّ على دليل حدسيٍّ هو كلمة(أعتقد) أو(يُحتمل). إذاً الهدفُ الواضح من هذا كلّه هو التشويش أو الابتزاز أو إشغال الرأي العام بهذه التقارير المكذوبة أومجهولة المصدر، وقد يكون وراها خفافيش الظلام من العملاء والأعداء المتربّصين الذين كثروا في عالم اليوم. لقد ثبت للجميع- منذ أحداث 11 سبتمبر -أن هناك تقارير كثيرة صدرت عن جهات استخباراتيّة دوليّة، اتضح فيما بعد عدم مصداقيتها وبعدها عن الواقع، بل انكشف للعيان حقائق تمّ من خلالها تبرئة المتهم بعدما حقّقت هذه الدول بعض أو جلّ مصالحها. والآن يعيد التاريخ نفسه بالعزف على نفس الأسطوانة. لذا يجب أن نكون على مستوى الحدث. لا يكفي الشجب والإستنكار، فقد آن الأوان أنْ تُسقى هذه المنظمات والحكومات التي تخدم مصالحها الخاصة من نفس الكأس. يجب أن نكون أعضاء في هذه المنظمات والهيئات العالمية، ومراكز الفكر والقنوات الإعلامية نشاركها طرح الأفكار فيما يخدم مصالحنا الوطنية ويحفظ مقدّراتنا وقيمتنا الأمنيّة والحقوقيّة عن طريق طرح الأفكار والمقترحات التي تخدمنا وتخدم مصالح الإنسانية. وإذا لم يكن هناك مبادرات عاجلة في هذا الميدان فالمصير رحمتهم القاتلة، وتهديدهم الأبدي. إنّنا نؤمن حقّاً أنّ هناك أعداء للنجاح يغيضهم الأمن والاستقرار والتقدم العلمي والثقافي التي تنعم بها مملكتنا، بل هذا يقض مضاجعهم ولن يرضوا أبداً إلا أن يحقّقوا ما يُعكّر الصفو ويهدم ولا يبني ويدمّر ولا يعمّر. والنّاظر العاقل يتعجّبُ من التركيز على أحداث جانبية مع أن هناك أحداث ذات أهمية عالية يقتل فيها الملايين، وتُسلبُ الحقوق، وتُنتهك الحرمات في ظلم واضح، ومعه تجد بأن هناك من يركز على شؤون الآخرين الداخلية من باب التشويش والإستهلاك الإعلامي. (خاشقجي) شأن داخلي وتم إصدار الحكم في قضيته من قبل دولة عظمى (المملكة العربية السعودية). ذات سيادة ولديها نظام مستقل لا يقبل المزايدات. نحن شعب لا نقبل أن يزايد أحد على نظامنا ولا حكامنا ولا دستورنا ورقابنا فداء للدين والملك والوطن. هناك فرق كبير ما بين خطأ أفراد وخطأ دول تقترف كوارث بحقوق الشعوب والمجتمعات، وفي ذات الوقت تجد من يركز على أخطاء فردية ولا يسأل عن الظلم والأخطاء الفادحة العظمى التي تصدر من نظام أو حزب أو دولة أو تعصبات مقيته لا يقبلها عقل الإنسان. لماذا؟ لأنها هي من يُدير المشهد والفلم العالمي. *مدير جامعة شقراء سابقا وعضو مجلس الشورى السابق