الهواية وشغف القراءة لا يتيحان فرصة للتوقف في المنعطفات جائزة أحد المتفوقين كانت كتاباً وسعيت جاهداً لبيعه عليّ منذ عرفت الكتاب طالباً لم أبرحه حتى يومي هذا الكتاب أشد من الماء والهواء حين تحتاجه أنا وأخي أسسنا مكتبة صغيرة في زاوية من مجلس بيتنا «الطيني» للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضًا طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الأديب صالح بن إبراهيم العوض للحديث حول مكتبته التي تضم أكثر من خمسة وعشرين ألف كتاب؛ منها كتاب "الخيل" وديوان "حميد بن ثور الهلالي" و"سحيم" من الطبعات الأصلية والقديمة جداً؛ كذلك سلسلة من مجلة "المورد" كاملة؛ وبعض مصورات المخطوطات المهمة. * في أي مرحلة من العمر تعرفت على الكتاب؟ * ليس من أحد لم يصحب الكتاب ويسعد بالتنقل بين رياضه وينهل من معينه، فالكتاب في حياتنا هو الهجاء من السنة الأولى في الدراسة، وهو البحث الرصين المتين الذي ينال به الباحث شهادته العليا في محطته الأخيرة في الحياة الأكاديمية. ومنذ عرفت الكتاب طالباً لم أبرحه حتى يومي هذا. * هل تستطيع تحديد بدايات تأسيس مكتبتك المنزلية؟ * خرجت على الكتاب المدرسي إلى الفضاء الرحب في القراءة الحرة بعد الابتدائية مباشرة؛ لنبدأ الرحلة -أنا وأخي محمد- وكنت في السنة الأولى المتوسطة، فننشئ مكتبة صغيرة في زاوية من مجلس بيتنا (الطيني) الصغير، العام 1389ه، قوامها في ذلك الوقت أعداد من مجلة الوعي الإسلامي ومجلة الحج وشيء من أعداد مجلة العربي وبعض الكتب الدينية، لتطغى لاحقاً الكتب الأدبية وما يتعلق باللغة العربية. * ماذا عن معارض الكتب ودورها في إثراء مكتبتك؟ * معارض الكتب أحياناً طاردة عن الشراء بمغالاة دور النشر وجشعهم المنفر، وإن كنت أرودها غالباً بصفة رسمية ودعوة من الجهات الإشرافية، ثم لا أستطيع مقاومة الإغراء للندرة أو التميز، ولا أسأل عندها عن المبالغ. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نمو مكتبتك الشخصية؟ * في ظني أن الهواية وشغف القراءة لا يتيحان فرصة للتوقف في المنعطفات، فالكتاب يفرض نفسه وهو أشد من الماء والهواء حين تحتاجه أو ترى أن محتواه لا يقاوم، وأنت إن كنت باحثاً فالضرورة ستدفعك قسراً إلى تذليل كل عقبة للحصول على الكتاب، وإن كنت هاوياً للقراءة فحتماً ستكون انتقائياً حسب ما يناسب توجهك وميولك. أقمت في المدينةالمنورة سنة دراسية مستهل القرن الهجري هذا في برنامج تعليمي، وأفدت كثيراً من مكتباتها الغنية والنادرة، إذ حصلت على سلسلة مجلة «المورد» العراقية كاملة من العدد 1-51 بمبلغ مناسب جداً، وأذكر أني أنفقت على الكتب وقتها ما يتجاوز ثلثي دخلي ذلك العام. * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * لديّ بعض مصورات المخطوطات المهمة التي فقدت أهميتها بتحقيقها. ولديّ مخطوطتان تقريباً ولا أذكرهما الآن لأني لا أدري أين هما في زوايا مكتبتي. * ماذا عن نصيب الكتب القديمة والنادرة؟ * مكتبتي تضم أكثر من خمسة وعشرين ألف كتاب ما دعاني إلى تكديسها عشوائياً وحال بيني وبين ترتيبها كما أريد، وفيها من الكتب القديمة النادرة الكثير الذي لا يحضرني الآن ويعز عليّ عرضه وتذكره، ولعل منها كتاب الخيل لأبي عبيدة وديوان حميد بن ثور الهلالي وسحيم وهي طبعات أصلية وقديمة جداً. * هل لديك شيء من الصحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ نعم بين ثنايا المحفوظات لدي مجلات قديمة كالأعداد الأولى من المجلة العربية والدارة والفيصل ومجلة المجلة والمسلمون ولا تخلو من غيرها مما لا أذكره. * هل يوجد في مكتبتك كتب مهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * كثيرة جداً الكتب التي حظيت بإهدائها من مؤلفيها وهذا مصدر فخر وشرف كبير أعتز به من أساتذتي الفضلاء الكرام الذين خصوني بها، ومنهم: الأستاذ الدكتور منير عبدالقادر سلطان، أهداني بعض كتبه قبل أربعين عاماً، ومثله الأستاذ الدكتور أحمد عبدالغفار عبيد، وهؤلاء أساتذتي في كلية المعلمين قبل أربعين عاماً. وكذلك شرفني أساتذة فضلاء كالأستاذ الدكتور محمد الربيِّع والأستاذ الدكتور سليمان العايد والأستاذ الدكتور ظافر العمري والأستاذ الدكتور عبدالله الحيدري والأستاذ الدكتور عبدالله السلمي والأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني وغيرهم كثير ممن لا يحضرني. ولعله من المناسب أن أذكر موقفاً عندما زارني الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة، رحمه الله، العام 1419ه واستعرض أرفف مكتبتي وقف على كتابه من بينها «إسلام بلا مذاهب» فأظهر استغرابه من وجود هذه الطبعة القديمة جداً لديّ!. * ما أطرف المواقف التي حصلت لك في البحث عن الكتب؟ * الكتب تكاد تكون كلها طرافة في العثور عليها والبحث عنها، والمتلهف لها لا يخلو من مواقف، فمما أذكر قبل بضعة عقود منحتنا لجنة النشاط في المعهد العلمي جوائز قيمة تتمثل في بعض الكتب المنتقاة بعناية من قبل أساتذة متخصصين، وكانت جائزة أحد الزملاء المتفوقين ثمينة جداً منها كتاب «مجمع الأمثال» للميداني في مجلدين بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد -رحمه الله-، وأظن طبعته في الستينات الميلادية، ما أثارني جداً وسعيت جاهداً لإغرائه ببيعه عليّ مهما غلا ثمنه، فطلب مني عشرة ريالات وكان أستاذي الدكتور إبراهيم بن عبدالله الخويطر -رحمه الله- حاضراً المساومة وشجعني على شرائه، وهو عندي إلى اليوم بحالة جيدة. وفي العام (1398ه) اشتريت «لسان العرب» لابن منظور من الكويت؛ وعندما أردت فسحه في الحدود تعذر ذلك لعدم وجود مركز إعلامي فيها ذلك الوقت، فاضطررت إلى متابعته في الرياض الذين أصروا على حجز الجزء الأول منه بحجة النظام الذي يلزم صاحب الكتاب أن يسلّم عيّنة منه لجهة الترخيص، وهذا بلا شك اجتهاد من الموظف في تسريته على المقتنين كما هو على الناشرين، وبعد جهد جهيد وشفاعات اقتنعوا بإعادة نسختي بعد أن فسحوه!. وكذلك ما حدث لي في أحد المراكز الحدودية عندما أردت الإذن لبعض الكتب التي اجتلبتها من الأردن، فتركتها في المركز الإعلامي عدةً منهم أنها ستصلني فور الانتهاء من فحصها، ولكني فوجئت بأنها وصلتني ناقصة ثلاثة كتب لا يمكن أن يدور حولها أي شبهة، إذ أفادني أحد المسؤولين أنها راقت للموظف فاحتجزها لقراءتها ثم إرسالها، عندها قلت ليت فاحصي الكتب في المراكز الإعلامية موظفون فقط وليسوا مولعين بالقراءة حتى تصلنا كتبنا دون نقص بأي حجة كانت. * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبتك؟ * التركيز في المكتبة على اللغة العربية وعلومها وآدابها، فهي تشكل العدد الأكبر من الكتب ثم الثقافة الإسلامية والتاريخ والتراجم والسير والدوريات الأصيلة في خدمة العربية. * هل يستفيد أبناؤك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * كل من أراد الاستفادة من المكتبة أتيح له ذلك من أبنائي وغيرهم، وقد حدث أن استعار منّي كثير من الباحثين وطلاب الدراسات العليا مصادر ومراجع. * ماذا تفضل المكتبة الإلكترونية، أو المكتبة الورقية، وما السبب؟ * من اعتاد على الكتاب الورقي لا يستطيع التحول عنه إلى الإلكتروني، ثم إن هذا أمر مستقر في النفس في مسألة القبول والرفض، ولا أجد نفسي بين شاشات الأجهزة لتصفح كتاب تقني وقد ألفت الورقي بعجره وبجره!. * ما الآلية التي تتبعها في الاستفادة من القراءة وتدوين الملحوظات؟! * أحرص على تدوين المعلومة المهمة التي تعرض لي أثناء القراءة، وقد خصصت لذلك مدونة أرصد بها كل ما يعرض على هيئة فهرس أوثق فيه المعلومات واسم الكتاب وبياناته كاملة. * ما رسالتك التي توجهها لكل من يمتلك مكتبة خاصة به؟ * المكتبة لا بد منها في كل بيت، ولو كانت صغيرة لا تضم إلا بعض الكتب الضرورية أو القصص والكتيبات الإرشادية، لأنها مفتاح للقراءة المستقرة والدائمة، ونشأة الأبناء على جو تعطره الكتب فضيلة لا تجارى، فليس شيء في الدنيا أثمن الكتاب لأنه يهذب الخلق ويجذب أفراد الأسرة إلى خلوة محمودة بعيداً عن الملهيات الفارغة! o كلمة أخيرة؟ * أرحب بك أستاذ بكر هذال، وأشكر صحيفتنا العملاقة صحيفة «الرياض»؛ التي أشرف بصلتي بها منذ عقود تقترب من الأربعة، فقد نشرت فيها بعض مقالاتي الأدبية وبعض نتاجي الشعري. صالح العوض من نوادر الكتب تواجد مستمر للضيف بالمكتبة (تصوير/ لولوة العوض)