سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- رمز المرحلة وقائد مسيرتها وواضع أسس التطوير الحضاري ومقومات النهضة الحديثة في هذا الوطن المبارك، فشخصية سموه تجسد الشخصية العصرية التي تعكس مجمل الرغبات والرؤى والطموحات التي يتطلع المواطن السعودي إلى تحققها في وطنه، ومهما سردنا مناقب سموه فلن نوفيه حقه بل ويضيق المقام عن ذكرها، ولكن يكفينا منها في هذا المقال النظرة الثاقبة والوعي العميق بمتطلبات المرحلة ونمو التطلعات ومسايرة المتغيرات ومواجهة التحديات بعزيمة وإقدام، والاستعداد للعمل والتضحية والقيام بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى رفعة شعبه بالشكل الذي لا تضاهيه رفعة، أو حضور هذا الوطن الغالي بالصورة التي تليق به. الأيام القريبة الماضية وما قبلها في هذا العهد الميمون ستُحفر في ذاكرة تاريخ السعودية الحديثة نتيجة توالي القرارات المفصلية والجريئة التي تدعم تحقيق محاور التنمية الشاملة واستدامتها، ويمثل إصلاح بيئة التشريعات وتطوير القوانين مع ما لقيته من نقد حجر زاويتها، لما له من أثر على حفظ الحقوق العامة والخاصة، وترسيخ مبادئ العدالة الناجزة، وتحقيق مقومات الشفافية، وبالتالي ستعكس للجميع حسن التعاطي وجدية التغيير ورغبة التحول نحو عصر جديد، فلا تزال وستظل أصداء إعلان سمو ولي العهد عن "تطوير منظومة التشريعات" المتخصصة لقوانين الأحوال الشخصية والإثبات والمعاملات المدنية والعقوبات التعزيرية المنظمة بمثابة غربلة حقيقية لخلق منظومة تشريعات مستدامة طال انتظارها، فالمكاسب بتشريعها لا تعد والفوائد بسنها لا تحصى، ولكن في المجمل سترتفع درجة الوعي العدلي والقناعة بالأحكام القضائية وتتحقق النزاهة والكفاءة في أداء المؤسسة العدلية. وعلى هذا الأساس نشير إلى أنه لدينا تجربة سابقة بالمشاركة على مستوى مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية في إعداد ما يماثل هذه الأنظمة الجديدة، والتي تمخض عنها صدور ما يعرف بالأنظمة الخليجية الاسترشادية، والقوانين العربية الموحدة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، فما المانع من الاستفادة من هذه التجارب وغيرها من الممارسات المعتبرة والثرية بثراء ما تحفل شريعتنا الإسلامية السمحة من مساحة تنوع واختلاف فقهي، ونؤكد على ما ذكرناه سابقاً من أن الإصلاح كمنظومة شاملة لن يتأتى إلا بالتقنين لأنه يشكل الركيزة الأساسية لبناء فكرة العمل المؤسسي، الهادف إلى تكريس ثقافة الحقوق والواجبات والمساءلة والمحاسبة القانونية، وتحقيق النزاهة والعدالة والمساواة، فالتقنين ليس بدعاً من القول عطفاً على ما لدينا من محاولات سابقة بشكل ناجح في الجانب الموضوعي وتعود إلى ما يزيد على الستين سنة، والمتمثلة في جرائم التعزير المنظم التي وردت في المرسوم الملكي الكريم رقم (43) لسنة 1377ه، أما في الجانب الإجرائي فتجربة الأنظمة العدلية ليست ببعيدة عن أرض الواقع مع ما لاقته من اعتراض قبل إقرارها، والتي ما إن صدرت حتى أصبح المعترضون عليها أول من يستشهد بها.