اعتادت ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران أن تقابل مبادرات الحكومة اليمنية والجهود السعودية والدولية لإنهاء الحرب وتحقيق السلام بمزيد من التصعيد العسكري وتصعيد الهجمات الإرهابية على المدن اليمنية والسعودية واستغلال مبادرات وقف إطلاق النار وتبديد أي فرص سلام ممكنة تنفيذاً للأجندة الإيرانية. ومنذ تفجير الحرب الانقلابية واجتياح العاصمة صنعاء والاستيلاء على مؤسسات الدولة اليمنية في سبتمبر 2014 قادت المملكة العربية السعودية ودول التحالف والأممالمتحدة والولايات المتحدة جهوداً كبيرة لإحلال السلام وإنقاذ الشعب اليمني من الكارثة الإنسانية الناتجة عن الحرب الانقلابية والسطو المسلح على مؤسسات الدولة، لكن الجهود السعودية والدولية والأممية ظلت تصطدم بانقلاب إيران ووكلائها الحوثيين على كل خطوات السلام بل على التنقيض تتجه للتصعيد وشن مزيد من الهجمات الإرهابية واستغلال مساعي السلام المبذولة لشن محاولات احتلال مدن يمنية جديدة خارج سيطرتها. في يناير 2020 الذي صادف بداية تفشي فيروس كورونا، كثفت المملكة والأممالمتحدة مساعيهما لوقف الحرب في اليمن ومواجهة تداعيات الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب الانقلابية، وسارعت الحكومة اليمنية وقيادة التحالف العربي إلى إعلان مبادرة شملت وقف شامل لإطلاق النار استجابة لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة وتمهيدا لإنهاء الحرب وإحلال السلام، وقوبلت بترحيب أممي ودولي واسع. وفي أبريل من العام نفسه دعا وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، الميليشيا إلى التجاوب بشكل فاعل وجدي مع مبادرة التحالف العربي لدعم جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث وتهيئة الظروف لاجتماع برعاية الأممالمتحدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين وبحث خطوات وآليات تطبيق وقف دائم لإطلاق النار في اليمن. غير أن الميليشيا قابلت تلك الدعوة والمبادرة بتصعيد عسكري كبير. كما حاولت استغلال مساعي السلام بشن هجوم واسع على محافظتي الجوفومأرب، واستمرت في الهجوم عام كامل، وانتهى بفشل ذريع لها إثر تلقيها هزائم وخسائر كبيرة خلال تصدي قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية والقبائل بمساندة طيران التحالف العربي. وقال مسؤول في الحكومة اليمنية ل"الرياض": "الميليشيا كانت قد فقدت القدرة على مواصلة الهجوم الشامل على محافظة مأرب بفعل الاستنزاف الكبير والهزائم التي تعرضت لها طيلة فترة الهجوم التي استمرت عام كامل، لكن إيران حاولت إنقاذها وكثفت عمليات تهريب الأسلحة إليها، وأرسلت إليها عن طريق التهريب بمجاميع جديدة من خبراء وضباط وعناصر الحرس الثوري الإيراني الإرهابي، وهرّبت الجنرال حسن إيرلو إلى صنعاء وكلفته بتولي قيادة الميليشيا، كما عملت على استعادة الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفها من جديد مُستغلة التزام الحكومة اليمنية والتحالف بالتهدئة واستمرارهما في الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي". وما إن كثفت قيادة التحالف ومبعوث الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية الجديدة مساعيهم لدفع الأطراف اليمنية إلى وقف إطلاق النار والانخراط بإيجابية في مشاورات براعية الأممالمتحدة، حتى سارعت إيران وميليشياتها لمقابلة تلك الجهود والمساعي بتصعيد الهجمات الإرهابية على المدنيين في المملكة، واستئناف الهجوم والعدوان على محافظة مأرب التي تحوي أكثر من اثنين مليون نازح في تحد سافر وصارخ لإرادة السلام الدولية. وأضاف المسؤول اليمني: "التراخي الدولي وعدم اتخاذ إجراءات عملية حاسمة، فتح شهية إيران ووكلائها الحوثيين للاستمرار في الإرهاب وتصعيد العدوان الإيراني على مأرب" واسترسل قائلا: "إلا أن ذلك لن يكون آخر فصول الحكاية". مشيراً إلى أن الهجوم على محافظة مأرب سينتهي بالفشل الذي انتهت إليه الهجمات السابقة طيلة العام المنصرم بفعل جاهزية الجيش والمقاومة الشعبية والقبائل واستمرار دعم التحالف للحكومة اليمنية. وبين أن الميليشيا وانتصارها في مأرب سيكسبها الحرب واليمن معاً، ومن ثم لا باس باتفاق شكلي إلى حين تنتقل إلى إطار أوسع في الحرب. مردفاً، من هنا تأتي قوة مأرب وثبات الجيش اليمني والقبائل فيها، فبقدر ما أن المعركة هناك حاسمة ومرتكز تحول بالنسبة لميليشيات الحوثي، فإنها كذلك مصيرية بالنسبة للقوات الحكومية والقبائل المناصرة. في السياق قال ضابط في وزارة الدفاع اليمنية ل"الرياض": "الهجوم الواسع الذي تشنه إيران وميليشياتها على مأرب سيرتد عليها"، مشيراً إلى أن قيادة الحرس الثوري في صنعاء رمت بأقصى طاقتها في هذا الهجوم الانتحاري والذي تهدف من خلاله للاستيلاء على المحافظة الغنية بالنفط، لكنها فشلت ونالت خسائر كبيرة وضربات موجعة. وأوضح أن المعركة الراهنة تعد فاصلة ويتحدد على ضوءها مستقبل اليمن وحجم التهديد الإيراني من خلال ذراعها الحوثية، مشيرا إلى أن قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية في مأرب ما تزال تحارب بذات النفس والحماس منذ بدأت الميليشيات هجومها مطلع 2015. وخلال الهجوم والعدوان على محافظة مأرب، دفعت الميليشيا بعناصرها الأمنية والإدارية واستنفرت بكل قوتها لمهاجمة مأرب لكنها اصطدمت بدفاعات صلبة ومنظمة أفقدتها توازنها وشلت قدراتها وتحولت المعادلة في كثير من المحاور إلى هجمات عكسية للجيش الوطني والقبائل. وكشف أن الجيش اليمني حصل خلال المعارك الأخيرة عن وجود دور لوجستي أكبر للحرس الثوري في قيادة العمليات الهجومية والعدوان على محافظة مأرب. وتزامن التصعيد الإيراني على محافظة مأرب مع تصعيد نبرة النظام الإيراني الذي طرح ضرورة الاعتراف بالميليشيا كسلطة شرعية مقابل أي تنازلات من إيران تتعلق بالإذن لوكلائها الحوثيين لوقف الحرب والانخراط في مشاورات للتوصل إلى حل سياسي.