من المعروف أن الشعر ديوان العرب يشكل وعاء مضمونه رابطاً بين الأجيال، وهذا الرابط عام فهو لغوي وتاريخي وقيم وعادات وأخلاق ينتقى أحسنها وأجودها فيحفظه. ويرجع إليه في غالب ما يحتاج إلى توثيق، وتستمد منه الحكم والعبر والدروس وما يصلح النفوس. والشعر نفيس متى ما جاد وتميز ومتى ما كان مؤثراً في المتلقي، وللمتلقي اهتمام به، فهو يعد من طرائق التثقيف والإرشاد ويمكن أيضاً أن يقوم بدور الموجه للفكر والرأي والتعبير. من محاسن الشعر عند التزام الشعراء بوظيفته الفعلية وهدفه الأسمى التأكيد على الأخلاق والفضائل والمنافسة في نشرها والحفاظ على الجيد من البيان وحفظ الآداب والتأكيد على قيم المجتمع. ومن المعلوم أنه ما من شاعر إلا وكانت نظرته إلى شعره نظرة المحب الخائف عليه من الهبوط، يروق له أن يشاد به ويطمئن كلما صار لشعره قبولاً يتلقاه الناس بيد الرضا وعين القبول فهو لا يضع كلمته إلا فيما حسن وجاد. من أجل ذلك كان طريق صيانته الرقي به، والحرص على أن تكون وظيفته في مجال عزيز وأهدافه تخدم مكارم الأخلاق وتغرسها، ولهذا قل أن نجد شاعراً غفل عن الإشادة بالكرم أو الشجاعة أو حماية الجار أو صلة الرحم أو بر الوالدين والحفاظ على الصداقة والرفقة والعدل ونبذ العدوان والظلم وما في هذا المعنى، ذلك لأهمية هذه الجوانب عنده، وأيضاً يتوج شعره ويرفعه بما عز عنده. وبما أن الشاعر يحرص على تضمين أبياته كل ما يرفع من مجتمعه ومن شعره وقصائده ومكانته ومكانتها أيضاً، ويجعل من قصائده عنواناً للفضيلة والاحترام، فإنه زيادة على ذلك سوف يحظى بتقدير كبير من المتلقي ويجعل من شعره مادة نافعة مقبولة ومتداولة عند الجميع لا يرفض منه شيئاً، وكلما قلت المحاذير التي قد تعترض الشعر زاد تداوله وروايته والإقبال عليه أزمنة طويلة، والعكس أيضاً فيما لو تصادمت أهداف الشعر ومضامينه مع الأخلاق والقيم. ولو أردنا استعراض شيء من الأبيات في هذا الشأن فإننا سنجد الميدان مليئاً بما يفرح ويسر، وجل الشعراء لهم من هذا الغرض نصيب كبير فأينما اخترت ستجد ما يثلج الصدر ويبهج. يقول الشاعر عبد بن سعود الودهي: ناس تطيب وطيبها في محله وطيب يجي ماغير شاشة وتصوير على البعيد تشوف دقه وجله وعلى ولد عمه يحسبه مخاسير عسى الشجر لامن تعداه ظله ينقص من عرقه بحد المناشير مادام مابه فود ياصاح خله تقشه ارياح الهوى والمعاصير فقر الكرامة عن غناة المذلة محد عرف غيب الزمن والمقادير ويقول الشاعر راجح العجمي، في قصيدة ضمنها توجيهات بمن نرافق ومن نعامل ومن نتعامل معه ومن يسعد جليسه ومن لا يكون مرغوباً ومن تجلب مجالسته السعادة.. إلخ. وهي تقسيمات الغرض منها مزيد من تفقد الإنسان لأسلوب حياته وتفاعله مع غيره ليتخلص من السلبيات إن وجدت. يقول فيها: أحد تنومس رفقته وافتخر فيه واعتز في عرف السنافي وشرواه و أحد سروري يوم أغادر حراويه ارتاح و اسلى و انبسط عقب فرقاه و أحد ليا منه زعل ودي أرضيه وأحد زعله أحب عندي من رضاه وأحد سوى، لانيب أسبه ولا أغليه إن رضي عادي وإن زعل ما نشدناه والطيب يطلع فالنشاما مواريه يظهر على الرجال شكله ومعناه أما شجاع والظفر في هقاويه ولا كريم تفعل الجود يمناه ومن طاع ربه فاز وادرك مناويه ومن خالف امره خسر دينه ودنياه ويقول الشاعر سعود عايد العلوي الحربي: لاتقول أن المعاصي شي عادي المعاصي كلها شر وبلاوي من فَعَلْها عن طريق الحق غادي ومن يطيع إبليس في ممشاه غاوي من فعوله هايمٍ في كل وادي ضاع وقته بالعنا واصبح شقاوي وش جوابه لاحضر يوم التنادي والنتيجه عاجز ما هوب قاوي كما يقول الشاعر سعود أيضاً: لا صار حقك ماتجي به بيمناك صدقان في وقت الرخا لاتغرك أحد ضحك لك في لسانه وخلاك واحد يا لولا حاجته ما يمرّك خلك على درب المناعير ممشاك وابعد عن اللي فيه شي يضرك صبرك على جور الزمن لو تحداك ولا تتبع الشيطان دربه يغرك ناصر الحميضي