المجتمع في السابق وإلى الوقت الحاضر أيضاً يحرص كل الحرص على المجلس وما يدور فيه، باعتبار المجلس في وقت مضى مدرسة بل جامعة ومجمعاً وندوة اختيارية في حضور أعضائها وتلقيهم وانصرافهم، وقد اهتم الشعراء على وجه الخصوص بتعزيز هذا التوجه فضمنوا قصائدهم معاني تؤكد على المحافظة على هيبة ومكانة ودور المجلس، فأثنوا على من فيه ومن يعمره بالأدب والمعلومة والخبر والغانم من القول والخلق الطيب. ولا غرابة في ذلك فالشاعر يهتم بكل ما من شأنه خدمة مجتمعه وتعزيز المبادئ والمثل والجوانب والعوامل التي تقويها ومنها المجالس الطيبة، كما أنه - أي الشاعر - يجد في المجالس العامرة بنتاج العقول الرزينة اللبيبة مجالاً للمساهمة بالجيد من الشعر والراقي من القصيد، ففيه تتاح له فرصة اجتماع أكبر عدد من الشغوفين بالشعر والنثر والقصة وكل ما يهم الحاضرين، خاصة عندما يكون لها من يتقبلها وينتظرها ويتبنى ما فيها من وصايا وإرشادات وحكم. كما يوجد في المجالس المتلقي الذي يعد وحالة الحضور الكبير أميناً على المعلومة والنشر يدعمه كل الحضور، والسامعون يقوي بعضهم بعضاً في الرواية، فقد كان المجلس فيما مضى هو المكان الوحيد أو شبه الوحيد في مجال التلقي وتبادل المعلومات ونشرها وتداولها بل وحفظ الحقوق للشاعر والقاص، وهو أحد ملتقيات المعلومات والأخبار عموماً، ففي المجلس يتعلم الناشئة أدب الحديث والتعامل والوقار وقدر الكبير واحترام الجميع من خلال النموذج الذي يرونه ويتعاملون معه، وخاصة عندما يكون الكبار كباراً في حديثهم ودروسهم وأدبهم وتفاعلهم وتبادل الاحترام فيما بينهم ورفع قدر الكلمة الطيبة وتقبلها ونبذ سقط الكلام. لا نريد أن نخسر المجلس، لا نريد أن نخسره فيحل محله جديد لا يرقى إلى مستواه، وربما أشغلنا عنه، فالمجالس ليست من الأشياء التي يمكن تأجيلها ثم العودة إليها لأنها متى ما تفرقت لا تجتمع كحالتها الأولى التي حافظ عليها أجدادنا زمناً واستفاد منها أجيال بعدهم، تمكنوا من دروس في الحياة بسبب ما تلقوه فيها. إن تأجيل الاستفادة من المجلس خسارة وهو بالطبع لا ينتظرنا بل يزول بزوال مريديه وعامريه، الذين يعمرونه بالحكم والقصص والأخبار والمؤانسة واللطائف. ولقد صور لنا بعض الشعراء تركيبة المجلس الذي يمكن أن يؤدي دوره بفاعلية من خلال تصدر أهل الرأي والرزانة والفكر والحكمة. يقول الشاعر عبدالعزيز بن سعود الحمد العريني السبيعي: يورى في عيوني مجلس الشايب وبيت الطين مداهيل الرجال اللي لهم بالطيب منزالي مجالسهم مجالس للشجاعة والكرم والدين تنومس راعي الطالة وتغبن كل بطالي ماهي مثل المجالس ذا الزمان اللي قبوله شين مغير السالفة وسط السياسة واسهم المالي ويقول الشاعر عبدالله الجبرتي: ياوين احصّل مجلسٍ فيه شايب متصدر المجلس ومركاه فالنُص هرجه ثمر ماخالطه بالشوايب يروي لنا من طيب الهرج ويقُص وحوله نشامى يحتمون النوايب قومٍ تعرف العلم وتقص وتحُص تسري من المجلس وخاطرك طايب كنك كسبت من العقيق الحمر فُص ولا شك أن المجالس مهمة ما دامت مفيدة، وأما إذا غلب غثها سمينها وصار القول فيها بلا ثمرة فإن البدائل كثيرة ومنها الطبيعة والبر خاصة لمن يؤنسه ذلك حيث التأمل والانفكاك من قيود المدن وتعقيداتها. يقول الشاعر غزاي الحربي: والمجلس اللي يزعجك لا تمره خله تراك بشوفته منت مجبور والرجل سقها في صحاصيح بره ومد النظر مابين ريضان وزهور لا صار وجه القاع ما فيه جره والمشي حافي والثرى تو ممطور ساعات صمتٍ ما وراها مضره تسوى الكلام اللي به ذنوب و شرور أطلق خيالك واترك النفس حرة وخل الطبيعة في حياتك لها دور يورى في عيوني مجلس الشايب وبيت الطين ياوين احصّل مجلسٍ فيه شايب يورى في عيوني مجلس الشايب وبيت الطين