خلال الاجتماع الوزاري الافتراضي الأخير مطلع يناير الجاري اعتمد وزراء الطاقة في مجموعة أوبك+ قرار تعليق رفع الإنتاج الذي كان مجدولا مسبقا بمقدار نصف مليون برميل يوميا. الاستثناء الوحيد كان استثناء رفع إنتاج استهلاكي طفيف وليس إنتاج تصديري لروسيا وكازاخستان لتغطية التدفئة الموسمية. المملكة العربية السعودية ومن خلال قيادتها الرائدة في المجموعة تفاعلت بشكل إيجابي مع قرار المجموعة فقامت بخفض طوعي بمقدار مليون برميل يوميا لمدة شهرين. اتجه معظم المحللين ومتابعو الشأن النفطي إلى قراءة القرار من منظور تأثير الأسعار إلا أن هناك جوانب أخرى للقرار السعودي لم تنل التغطية. المخزونات النفطية التجارية العالمية لا تزال مرتفعة وهي تنخفض بوتيرة أقل من وتيرة تحسن الطلب العالمي خصوصا مع ملاحظة الاختلاف الكبير بين وتيرة التخزين ووتيرة الاستهلاك اليومي للنفط. المملكة بقرار خفض إنتاجها ستلعب أدوارا إضافية في أسواق النفط خارج هيكلية العرض والطلب إلى كبح أنماط التخزين والذي يشكل خطرا على المدى المتوسط والطويل لأسواق النفط. الأسابيع القليلة الماضية شهدت أسواق السلع العالمية مثل النحاس ولكوبالت والحديد وحتى الغاز الطبيعي المسال تذبذبات عالية في الأسواق بعد أن سبقت ذلك بموجات شراء وتخزين واسعة في الربعين الثاني والثالث من العام الماضي تحديدا في الشرق الآسيوي. المصافي العالمية تمر بمرحلة دقيقة في ظل حالة عدم التوازن الواضحة في مبيعات منتجات التكرير وتهاوي هوامش التكرير. النواحي التشغيلية لطالما كانت المعضلة الأكبر بالنسبة للمصافي إلا أن التعطل الواسع في وقود الطائرات ووقود السيارات جراء الجائحة والإغلاقات الواسعة في قطاع النقل. الخفض السعودي الطوعي كفيل بإنعاش أسواق المنتجات التكريرية ورفع المردود المالي للمصافي العالمية التي اجتاحتها موجات إغلاقات واسعة هي الأسوأ تاريخيا في تاريخ المصافي. الهيكلية الجديدة لأسواق النفط تضمن تحفيز الصناعة النفطية للتوسع في الأعمال واجتذاب لاستثمارات جديدة تدفع بالمستثمر لتقليل المخاطر المحتملة من استمرار المخزونات في الارتفاع. المبادرة السعودية بالخفض الطوعي جاءت كما وصفها نائب رئيس الوزراء الروسي الكساندر نوفاك بمثابة الهدية الرائعة للصناعة النفطية. الحديث المتداول إعلاميا من إمكانية خسارة حصص سوقية في الأسواق لا تعكسه بيانات السوق المادي الذي يشير إلى انحسار في تنامي الطلب وبالتالي ضآلة الحصص المتنافس عليها لذلك فإن الخفض الطوعي السعودي جاء في توقيت مناسب يعيد إنعاش السوق النفطي والصناعة النفطية من غير تغيير جذري في أساسيات الطلب العالمي الذي يبدو قد وصل إلى هضبة الثبات. قراءة جميع البيانات المتعلقة بالطلب العالمي خلال التسعة أشهر الماضية وما واكبها من أطروحات بالتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة في منصات الرأي العام العالمي يعكس حاجة الصناعة النفطية لتبني مواقف أكثر مرونة مع أسواق الطاقة العالمية بجميع مصادرها لذلك فإن النظر إلى قرار المملكة بخفض طوعي لا يمكن ربطه فقط بمنظومة التسعير وحدها.