ها أنت اليوم ترقد على سرير الوجع.. بانتظار غد من ألم.. وأمل بلا وهم.. يأخذك أصدقاء المرض المحاطون بالموت والشفاء معاً.. إلى غرفة العمليات.. تمضي تعد مربعات الضوء في عينيك على سقف متجعد المرايا. تتساءل ماذا بعد هذا الألم.. ثم تبتسم روحك حين استدعيت تفاؤلها هروباً من صمتك قائلة له: «ليس إلا حصوة تنزع منك أيها الجبل..» هكذا قلت لصمتي الهش أنا أو روحي لا فرق.. حينما وسوس لي بأوهام التخدير، وتجارب الأصدقاء معه... خمسة عقود تزفني الصحة كل ليلة بفضل من الله وتكرماً منه علي.. أقصى وجعي حقنة في الوريد أو دواء مر، أو حتى مسكن ليلي ينتهي به الوجع آخر الصباح.. لهذا كنت أسمع كثيراً من الأصدقاء عن حكايات التخدير وأوجاع المشارط، وهواجس السهر السقيم.. وهلوسات الذكريات.. يالهذا الإنسان فينا.. كلما قال اكتفيت استزاد.. وكلما شارف نهاياته تذكر أوله، وكلما زهد في الحياة تشبث بها أكثر.. هي حالة عرفها كثيرون قبلي.. لا جديد فيها عليهم إلا مرورها علي أول مرة، ولا قديم يعاد فيها إلا تذكر معاناتهم معها، لكنها جديدة علي من حيث كونها اختبار الجسد أول مرة حينما انشغلت باختبارات روحي عمراً مديداً.. ثمة فروقات شتى بين شاعرية الروح واحتمالات الجسد.. تلك ترى في نهايتها الانطفاء الهادئ المسالم.. وهذا تتداعى به الأعضاء بالسهر والحمى.. تلك تنشد القصيدة حتى تصمت فيها.. وهذا يتقن الآه حتى تغادرها القصائد كعصافير تنكر الظلام، تلك الروح التي اختبرت لا تغفو تحت وطأة المسكن كما يفعل الجسد، تظل تراجع تواريخ الآه فيها دون أن تدرك موقفها من أنين الجسد.. هل تشمت بضعفه حينما أرغمها أحياناً على ما لا تحب؟ أم تحاول أن تروي له حكاية عذبة جمعتها به؟! كانت الليلة الأولى بعد الإفاقة كأنها لم تفق ثمة حوار بين روحي وعمري بانشغال جسدي عنهما بالألم والأنين.. ليس إلا تاريخ من النجاح والفشل، وبين جسدي وعمري تجربة ألم أولى كأنها ولادة ما لا ينتظر.. هي الحياة سنعبرها روحاً وجسداً، وسأكون صمتي لأستعيد مقولة روحي المتفائلة أول الأمر «إن هي إلا حصوة من جبل أيها الصمت..!» فاصلة: قالت يداه أخذت ما أدناه لي قال اللسان: أقول ما يُلقى علي قالت ظنون الآخرين نريد فيه الذنبَ قلتُ تركته دوني لدي..!