حيوية الأمل هي الدعامة الأساسية التي نستمد منها قدرتنا على مواجهة الصعاب، والصمود أمام المتغيرات وتشابك الأحداث وتزاحمها. ولعل إدراك هذه الأمور من شأنه تهيئة المرء لكي يعبر العام الجديد، في ظل هذا الزمن الصعب الذي عبثت به جائحة كورونا، وأغلقت النوافذ والأبواب أمام التواصل الاجتماعي. الانطلاق نحو عام جديد يتطلب إعادة بناء أنماط جديدة لأفكارنا وقناعاتنا، وتبني منهجية تحمل في طياتها نفحات الأمل وروح التفاؤل، والتحليق في فضاء لا متناهٍ يزخر بالأحلام السعيدة. وبمقدور المرء آنذاك أن يظفر بالفرح بأريحية ورحابة صدر، بعيداً عن التوترات والمشكلات وعُقد الماضي ومنغصاته، وفي منأى عن التأطيرات السقيمة التي تكبّل السعادة وتقلّص فرص النجاح في حياتنا اليومية، وتسجن البهجة. عجلة الزمن لن تتوقف أمام أولئك الذين يرفضون سنن التغيير والتبدل، والإقرار بالتحولات في حياة البشر والمجتمعات، أو أولئك الذين يقاومون قيم الحداثة التي باتت تفرض نفسها فكراً ومنهجاً على سائر مناحي الحياة المعاصرة. التحوّل يتطلب مقاومة حقيقية للذات البشرية ونزعاتها الأنانية، والكفّ عن استحضار سيناريوهات الماضي بقضه وقضيضيه، وطيّ صفحاته العتيقة . أي قراءة أو استشراف لمعطيات المستقبل وإرهاصاته، بغية التحوط والتهيؤ لاحتمالات مواجهة القادم، لن يكتب لها النجاح إذا لم تصاحبها عزيمة على تغيير المفاهيم والقناعات؛ للتعامل مع الأحداث التي ترافق المرحلة الزمنية الجديدة. ولعل أهم مراحل التحول هو تبني attitude أي مواقف وسلوك جديدة تكون توءماً للجمال والتجلي، وتمنح روحاً مضيئة للحياة، وتوفّر الفرص تلو الأخرى لارتشاف رحيق المحبة والإيثار في العام الجديد. دورة الزمان وصيرورته والتفاعل معاً أمر يتفق مع تدابير الخالق، جل وعلا، حيث يقول "كل يوم هو في شأن" وبالتالي لا بد من المضي في ركب الحياة ومواجهة حركة الزمان، وفق هذه الروح التواقة للتغيير والبناء. إنّ إدراك هذه الحقيقة يستنهض الهمم الراكدة، وينير العقول المستكينة؛ بحيث يمكن الولوج إلى العام الجديد بواقعية، بعيداً عن رجم الغيب وتنبؤات المنجّمين وأصحاب الأبراج وتخميناتهم الواهية. نقف، الآن، على عتبة تحوّلات ومتغيرات تتطلب تصحيح المفاهيم، وتجديد القناعات في الأذهان، وتغيير الأفكار؛ لكي نواكب معطيات العام الجديد برؤية خلاقة وفعالة للارتقاء بمسؤولياتنا وعياً وفكرة ومنطلقاً، بعيداً عن القلق والخوف المفرط، ومداراة الهمّ في المواقف اليومية؛ فالزمان متعدد الوجوه، فلمَ لا نستحضر ونردد قول المتنبي: على قلق كأن الريح تحتي أوجهها جنوباً أو شمالاً. ولماذا لا ندرك أنّ المتنبي، يمثل القلِق الخلاق، عاش حالة استثنائية في عصره، وقاوم الأفكار النمطية الكثيرة، فخلّد زمانَه بالقصائد، وخلّد الزمانُ شعره وردّده. العام الجديد فرصة ثمينة لتبني مفاهيم جديدة، وتغيير الرؤى، والأخذ بمعايير لا تقوم على النمطية وعبادة القديم، بل تستلهم الانفتاح والإبداع، وتعانق القيم الحديثة، وبلا ريب أنّ هذا الحسّ الواعي بالمسؤولية هو ما يزرع التفاؤل، ويُعلي قيم الأمل، مع إطلالة عام جديد، نرجو أن يحمل الخير والسلام والأمان للبشرية جمعاء. *كاتب ودبلوماسي سابق عبدالرحمن الجديع