لم أتردد ولو لثانية واحدة أمام العرض المغري الذي قدمته لي الناشرة إقبال عبيد بترجمة الرواية النوبلية "أمير الذباب" للكاتب البريطاني ويليام غولدينغ (توفي العام 1993)، والتي أدرجت، في أكثر من قائمة، ضمن أفضل مئة رواية في القرن العشرين. بداية تجب الإشارة إلى أن عنوان هذه الرواية الرمزية هو الاسم العبري لرئيس الشياطين أو حرفياً "أمير الذباب"، وهو اسم يستخدم أحيانا كمرادف للشيطان، وقد وظّفه غولدينغ في الرواية كدلالة رمزية على الصراع على السلطة في حالات الفوضى والاضطراب، وكان متمثلاً في الرواية برأس الخنزير التي قطعها الصبية، أبطال الرواية، وطرحوها على عصا مدببة الطرفين ثم ثبتوها في الأرض، وهو يمثّل المظهر المادي للشر الذي بدا على الصبية، وهو الشر الذي يعتقد غولدينغ أنه موجود في كل واحد منا. خرج غولدينغ (معلم اللغة الإنجليزية والفلسفة) من خدمته العسكرية في الحرب العالمية الثانية وقد تلاشى إيمانه بالإنسانية بعد أن رأى القوى العظمى تهدد بعضها البعض بالإبادة النووية. وشعر بضرورة عودة الإنسانية إلى طبيعتها البشرية، وتأملاته هذه حول حتمية العنف هي التي ألهمته كتابة هذه الرواية، وهي أولى أعماله وأكثرها شهرة. وبعد أن رفضها سبعة ناشرين، نُشِرت الرواية أخيراً في العام 1954 وكونها بالكاد تشير إلى زمان أو مكان محددين، فقد بدت الرواية وكأنها صالحة لكل العصور، وكما لو أنها فحصٌ شامل للطبيعة الإنسانية في تجردها المحض. والرواية عبارة عن سخرية كئيبة في إطار قصة كلاسيكية لمغامرة في جزيرة، سياق قصصي شائع، حيث تتحطم طائرة بريطانية تقل مجموعة من الصبية في رحلة مدرسية في خضم حرب نووية غير محددة، وتقع قبالة شاطئ جزيرة استوائية نائية، وبطريقة ما خرج أكثر الفتيان من الطائرة وسط هطول الأمطار الغزيرة، لكن لم ينج أحد من الكبار. بعد أن تجمع الصبية على أرض الجزيرة، بدا أنهم يحتاجون لإرساء عدة أنظمة لتسيير أعمالهم، ولكي يتسنى لهم النجاة والعودة للديار، وبعد نقاشات عديدة أصبح من الضروري تنصيب رئيس يقودهم، لكن سرعان ما تحولوا إلى فريقين يقودهما رالف من جهة وجاك من جهة أخرى، اقتسام السلطة - دون وجود الكبار - أدى إلى الفوضوية في العمل وضياع فرص النجاة، ثم تتوالى الأحداث المرعبة في الرواية. والرواية تسخر من الأعراف الراسخة حول الإنسانية في تلك الفترة، ففي حين أن قصص مغامرات الجزر غالبًا ما تكون داعمةً للأفكار الاستعمارية، فإن رواية "ملك الذباب" تعكس هذا القالب رأسًا على عقب، فبدلًا من تصوير السكان الأصليين بالصورة النمطية وكأنهم وحوش غوغائية، كما في أعمال روديارد كيبلينغ وإي إم فورستر، قام غولدنغ بتحويل الصورة الملائكية للصبي البريطاني المتحضر (كما قال جاك في الرواية: "الإنجليز هم الأفضل في كل شيء") إلى صورة الهمجي المتوحش عديم الرحمة. وبالرغم من عدم اتفاق الجميع مع وجهة نظر غولدينغ الكئيبة، إلا أن "سيد الذباب" تزعج بما يكفي لتحدي أكثر المتفائلين إصرارًا. الجدير بالذكر أن ويليام غولدينغ فاز بجائزة البوكر لعام 1980 وجائزة نوبل للآداب لعام 1983، كما منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس (سير). وقد ألف 11 رواية ومسرحية واحدة ومجموعة شعرية يتيمة كانت في بداية كتاباته الإبداعية. في هذه الترجمة مقدمة مهمة للروائي الأميركي الكبير ستيفن كينغ الذي يذكر دور "أمير الذباب" في إلهامه لعدد من أعماله، والرواية ستصدر قريباً، بمشيئة الله، عن مؤسسة ترجمان للترجمة والنشر في دولة الكويت.