يقع الشعراء في أخطاء عديدة متنوعة يجتهد النقاد كثيراً في رصدها والتنبيه إلى ما لها من أثر سلبي في تلقي القصائد، ولكن اجتهاد النقاد قديماً وحديثاً في مسألة تتبع أخطاء الشعراء أدّى بهم في بعض الأحيان إلى الإسراف في النقد وإلى رؤية وانتقاد أخطاء ليس لها وجود حقيقي أو لا تُعد أخطاءً كما يتوهمون، ومن الجيد أن تقابلنا كتابات نقدية يقف أصحابها إلى جانب الشعراء مدافعين عن الأبيات والقصائد التي عيبت وليس بها عيب، ومن بين من خصّصوا أبواباً للحديث عن أوهام النقاد الذين عابوا شعراً لا عيب فيه ابن عبد ربه الأندلسي (ت 328ه) في كتابه (العقد الفريد)، إذا وضع فيه باباً سماه (ما يُعاب من الشعر وليس بعيب)، ومن عباراته الجميلة تعليقاً على نقد قافية أحد الأبيات الصحيحة: «وما أرى العيب فيه إلا على مَن رآه عيباً». وكذلك خصص الآمدي (ت 370ه) في كتابه (الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري) باباً للحديث عن (ما عيب به البحتري وليس بعيب) دافع فيه عن أبيات الشاعر التي انتقدها النقاد أو سخروا من معانيها بناء على فهمهم، فمضى يستحضر الحجج العقلية والشواهد الشعرية التي تثبت صحة أبيات البحتري وتنفي عنها العيب أو الخطأ. يكتب معظم النقاد آراءهم ويصدرون أحكامهم على القصائد والأبيات بثقة تامة من دون أن يكون للمبدع، غالباً، أي فرصة للدفاع أو توضيح وجهة نظره، هذا الأمر ساهم في زيادة الأخطاء والأوهام النقدية على مر العصور، وما زال وجود نقد النقد ممثلاً في أبواب شبيهة بالبابين المشار إليهما من كتابيّ ابن عبد ربه والآمدي وجود ضعيف إلى حد كبير، فضلاً عن وجود كتاب مخصّص لنقد (أوهام النقاد) على غرار الكتب الكثيرة التي تتحدّث عن (أوهام الشعراء) أو أخطائهم، وفي الشعر الشعبي الذي تكاد تنعدم فيه المؤلفات النقدية حالات قليلة نسبياً رأينا فيها أن الفرصة تتاح أمام المبدع للدفاع عن أبياته ونفي العيب عنها، ففي برامج المسابقات الشعرية يمنح الشاعر دقائق قليلة قد ينجح فيها أحياناً في دفاعه عن أبياته وفي إثبات خطأ الحكم النقدي الصادر من أعضاء لجنة التحكيم، ولكن المتابع يلاحظ انعدام رغبة المحكّمين في سماع وجهة نظر الشاعر بمقارنة الزمن القصير المتاح أمامه مقارنة بالوقت المخصّص لهم! في كثير من الأحيان لا يقع الناقد في الخطأ جهلاً أو تعصباً ضد الشاعر أو لأنه يقرأ القصيدة التي بين يديه بأحكام مُسبقة، لكن حرصه على إثبات مهارته في اكتشاف نقاط الضعف والغلط في النص يجعله ينظر إليه بعين تصوّر له الصواب خطأً، أو يجعله حرصه يضخم الخطأ الذي لا يكاد يذكر ليصبح خطأً فادحاً يستحق الوقوف عنده والتشنيع على مرتكبه.