لم تعد الثقافة ذلك المعطى المتعالي الذي يحاول البعض حَصْره في الاهتمامات ذات الاشتغال المعرفي، أو الفكري، أو الفلسفي، الذي يجدّف بعيداً عن هموم المجتمع؛ وينأى عنه بطريقة تخلق تصوّراً ذهنيّاً خاطئاً عن الثقافة كفعل وجودي وحضاري يدخل في نسيج المجتمع، ويتماهى في أدقّ تفاصيله واشتغالاته. اليوم تضع وزارة الثقافة؛ التراث المادي وغير المادي، وما يتعلق بالشأن الأنثروبولوجي الحضاري، الذي يهتم بكل ما له علاقة بتراثنا، وما ينضوي تحته من أدوات، وأشكال المساكن، وأساليب الزينة، وأنواع الألبسة وغيرها، وجميعها مفردات تشكّل موروثنا وإرثنا الحضاري الضارب في العمق والتجذّر. ولا غرو في ذلك؛ فمملكتنا الغالية تقف على تنوُّع حضاري وتاريخي عظيم؛ الأمر الذي يُكسبها خصوصية وفرادة كبيرتين. ولأنّ الثقافة لا تنفصم عن الاقتصاد، من حيث الأهمية والضرورة فقد سعت رؤية 2030 عبر خططها المشهودة لتحقيق التكامل بينهما في ظلّ حراك لافت ومثير للتقدير والإعجاب ليس محلياً فقط، بل إنه إعجاب يمتد لكل أصقاع العالم الذي يعيش ثورة تنموية واقتصادية وتكنولوجية مهولة. من البرامج المهمة التي أطلقتها وزارة الثقافة مؤخراً، «حاضنة الأزياء»؛ وهي مبادرة تبعث الأمل والطموح في الآثار المرتقبة؛ فمن المتوقع أنها ستسهم في تطوير مشروعات روّاد الأعمال، فضلاً عن خلقها لفرص وأسواق جديدة بالمملكة، ستلقي بظلالها الإيجابية إنْ على مستوى الاقتصاد أو على مستوى رفع الناتج المحلي واستثمار القدرات الإبداعية لشبابنا من الجنسين؛ فكما هو معلوم للجميع بأننا نملك رأسمال بشري وعقولاً مبدعة قادرة على رفد المجتمع وتحويله من مستهلك للعلامات التجارية الأجنبية إلى مجتمع مصنع ومنتج. كثيرة هي الفوائد المنتظرة من هكذا مبادرات؛ فقط أردنا التأكيد على أن الثقافة ليست مجرد منجم إبداعي وحضاري فقط؛ بل إنها منجم اقتصادي قادر على أن يستنهض قدرات شبابنا ويضع وطننا في مكانه اللائق به حاضراً ومستقبلاً.