الدلّة والقهوة.. رمز الأصالة، وعبق التراث، وامتداد لثقافتنا وهويتنا، وتجسيد لكرم الضيافة العربية الأصيلة.. ولا تزال بالرغم من تقاليد الحياة العصرية الحديثة، إلا أن الدلّة تبقى ذات قيمة عالية.. لذا فإن ربّ الدلال من الأوليات المهمة عند العرب منذ القدم نظراً لمكانتها والحرص على استخدامها بشكل جميل فكانت حرفة ربّاب الدلال من أهم الحرف اليدوية القديمة جداً، حيث يقوم صاحب الحرفة بتلميع دلال القهوة العربية والمحافظة عليها من الخدوش وذلك بتنظيفها وجليها بواسطة الرصاص والنّار التي تصلى عليها الدلّة حتى تصاعد الأدخنة وتزيل الأوساخ العالقة عليها بعدما تتعرض لهذه العملية حتى تعود لشكلها الجميل وبريقها الجاذب. وكلما دعت الحاجة لتنظيفها من الأوساخ العالقة بها نظراً لأهمية الدلال في مجالس الرجال، وما تحظى به من مكانة عند العرب، فالقهوة تعتبر من الأولويات في حياتنا اليومية، ورمز الكرم والضيافة. وهي من الحرف الشريفة والأكثر دقةً وإتقاناً، ولا تزال يتوارثها البعض عن آبائهم وأجدادهم، وفي الماضي كان أصحاب هذه الحرفة يعيشون دون وجود التقنية الحديثة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صبرهم وفكرهم النيّر ف»الحاجة أم الاختراع». وكانوا في السابق يستخدمون في هذه الحرفة الفحم والحطب لإشعال النّار كي يتمكن صاحب الحرفة من جلي وتنظيف دلال القهوة نظراً لعدم وجود بعض الوسائل الحديثة. أما الآن فيستخدم الغاز الذي يلعب دوراً مهماً وكبيراً في هذه المهنة من ناحية سرعة العمل والإنتاج الجيّد المرضي، والأشخاص الذين يزاولون مهنة ربابة الدلال معروف عنهم كثرة الأسفار والترحال، لذلك يضطر صاحب هذه الحرفة للسفر من بلد لآخر بحثاً عن مصدر رزقه في أرض الله الواسعة. علماً بأن حرفة ربّاب الدلال لا يحتاج لها الناس إلا نادراً وفي بعض الأوقات، ولكن في نفس الوقت تُعد من الحرف ذات القيمة العالية فهي تعيد المذاق الطيّب للقهوة العربية، ولا تزال هذه الحرفة حاضرة حتى هذا العصر، ولكنها أصبحت مهدده بالانقراض، نظراً لوجود المصانع التي أصبحت بديلاً عنها. والدلّة كما هو معروف تستخدم لشرب القهوة العربية، ولها جمالها المعروف وقدرها الكبير، ورمزها الأصيل الذي ترمز إليه وهو الجود والكرم والسخاء الذي اشتهر به العرب.. لذلك كتب العديد من الشعراء قصائد عديدة يصفون بها شكل الدلّة، وطريقة عمل القهوة العربية، وما تحتاج إليه من مهارة جيّدة، وتفنن في طريقة عملها، ومن أنواعها: «البغدادي» الأكثر شهرة وثمناً، و»الرسلان» ذات اللون الأصفر، و»القريشية» تأتي بعدهم، وتصنع الدلال من النحاس، ويتم نقشها بكل براعة وإتقان نظراً لأهميتها وطول مدّة اقتنائها، ولها لونان الأصفر والأبيض. وفي مثل هذه الأيام مع حلول فصل الشتاء يزداد الإقبال على بني مشبّات النار، وبيوت الشَّعر حيث يحلى الجلوس بها ومشاهدة صفوف الدلال والأباريق على جوانب الوجار أثناء شبّة النار وليال السمر. ولاشك أن اجتماع الأحباب والأقارب والأصحاب من عادتنا وتقاليدنا الأصيلة التي نفاخر بها في مثل هذه المجالس التي تزدان بشبّة النّار، وصفوف الدلال التي تُعد رمز أصالتنا وكنزاً من كنوز تراث الوطن الغالي. حرفة ربّ الدلال الأكثر دقةً وإتقاناً دلّة بغدادية بعد عملية الربّ