رغم كل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا في تفاصيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع، إلا أن آلية العمل التي اتبعتها حكومة خادم الحرمين الشريفين في التعامل مع الجائحة قبل وأثناء ظهورها، لم يساعدها على تجاوز هذه التحديات فحسب، وإنما مكنها من إثبات نفسها في العديد من المجالات، وإحراز تقدم ملموس بشهادة العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية المشهود لها بالحيادية والنزاهة قولاً وفعلاً. ولعل ما شهدته النسخة الخامسة من تقرير التنافسية الرقمية العالمية الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD، خير شاهد ودليل على التقدم الذي تحرزه المملكة في العديد من المجالات، إذ يكفي أنها تقدمت بمعدّل خمسة نقاط، لتحلّ في المركز ال34 عالمياً، ولم يكن هذا من فراغ، وإنما جاء عطفاً على الأداء السعودي على مدى الاثني عشر شهراً الماضية، وشهدت فيه المملكة تقدماً في عدد من المؤشرات المشكّلة لهذا التقرير ومنها تكامل تكنولوجيا المعلومات، ومرونة الأعمال، والإطار التنظيمي، وتوافر رأس المال للقطاع الرقمي، والإطار التكنولوجي، والمواقف التكيفية، والتعليم والتدريب. ولم يكن القطاع العقاري استثناءً من مشهد التقدم الذي تحرزه المملكة، فهذا القطاع تعول عليه رؤية 2030 كثيراً، وتعتبره أحد أبرز القطاعات الاستثمارية، ليس لسبب سوى أنه محور أساس في غالبية القطاعات الأخرى، التي لا غنى لها على خدمات العقار، فضلاً عن كونه وعاءً استثمارياً مهماً، اعتاد عليه ووثق فيه كبار وصغار المستثمرين. ومنذ بدء عمل رؤية 2030، والمملكة قررت أن تعزز الأمن العقاري في البلاد، واتخاذ كل التدابير والإجراءات التي تعلي من هذا الأمن وتزيد من موثوقيته في الأوساط الاجتماعية، ولن نذهب بعيداً، فقبل نحو ثلاثة أشهر، خطت المملكة خطوة في هذا المسار، أستطيع أن أصفها بأنها بمثابة صمام أمان ومبعث اطمئنان إجرائي يدعم قطاع العقار، وذلك بعدما أقر مجلس الوزراء نظام التوثيق المعني بتعزيز الأمن العقاري، ورفع كفاءة التوثيق العدلي وموثوقية الوثائق الصادرة من المخول لهم إجراء عملية التوثيق. ورغم أن نظام التوثيق قد تأخر كثيراً، وكان يفترض أن يصدر قبل عقود مضت، ولكن يمكن التأكيد على أنه جاء هذه الأيام متكاملاً ويلبي كل مطالب وشروط الأمن العقاري في البلاد، خاصة أن هذا النظام جاء متضمناً جميع الموثقين، منهم كتّاب العدل، والموثقون المرخصون، بالإضافة إلى المأذونين، كما يشمل الشروط اللازم توفرها في الموثقين، ويحدد اختصاصاتهم وإجراءات عملهم ومراقبة مخرجاتهم وعقوبات المخالفين منهم، كل هذا يؤكد جدية الدولة في إيجاد قطاع عقاري نموذجي، لا يشكو العشوائية أو التخلف عن ركب التطور الذي طال كل مناحي الحياة حولنا. اليوم يجني قطاع العقار ثمار هذا النظام، الذي أرى أنه قادر على ترسيخ الأمن العقاري ورفع كفاءة التوثيق العدلي، وهذا كفيل جداً برفع مستوى موثوقية الوثائق الصادرة من المخول لهم إجراء عملية التوثيق، وهو ما يسهم في تقليل المنازعات وتدفق الدعاوى، ورفع كفاءة العقود والإقرارات، ويعزز من سرعة إعادة الحق عبر قضاء التنفيذ دون الحاجة لإقامة دعوى أمام قضاء الموضوع، ولا أعتقد أن تعزيز الأمن العقاري سيقف عند هذا الحد، وغداً سنشهد المزيد والمزيد الذي تأتي به رؤية 2030.