قدم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لمحة مسبقة لما سيبدو عليه حفل تنصيبه في يناير المقبل، مشيرا إلى أن الحدث لن يكون نموذجيا بسبب الجائحة. وقال بايدن للصحفيين في ويلمنغتون بولاية ديلاوير، في إشارة إلى المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي لعام 2020، الذي عقد بشكل أساسي عبر الإنترنت: "أعتقد أنكم ستشهدون شيئا أقرب إلى شكل المؤتمر، من حفل التنصيب المعتاد". وتابع "أولا وقبل كل شيء، هدفي هو الحفاظ على أميركا آمنة مع السماح للناس بالاحتفال". وألمح بايدن إلى أن الأحداث الكبيرة الشخصية التي تقام عادة خلال حفل التنصيب الرئاسي، بما في ذلك الموكب في شارع بنسلفانيا في واشنطن العاصمة، لن تقام على الأرجح. وسيقام حفل التنصيب يوم الأربعاء 20 يناير، ومن المتوقع أن يستمر عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المؤكدة في الارتفاع حتى ذلك الحين. وارتفع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولاياتالمتحدة بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة. وأصيب أكثر من 14.14 مليون أميركي بالفيروس الجديد منذ بداية تفشي المرض وتوفي أكثر من 276 ألف شخص بسبب المرض، وفقا للبيانات التي جمعتها جامعة جونز هوبكنز. إلا أن حالة الانقسام المتفاقمة التي تعاني منها الولاياتالمتحدة، بحسب ما يراه عدد كبير من المحللين، دفعت كثيرا من الأميركيين إلى ترقب تولي جو بايدن مهام منصبه رسميا ليحقق الأمل الذي يراودهم، وهو توحيد أميركا. وفي حقيقة الأمر، ركز بايدن في خطابه الذي ألقاه بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي، على ضرورة تصالح الأميركيين فيما بينهم، وقال: "سأكون رئيساً يعمل على توحيد الولاياتالمتحدة التي تعرضت لهزة بسبب حالة الانقسام"، وأضاف: "لقد حان الوقت لأن ننحي جانبا اللغة العدائية، وأن ينصت كل منا للآخر، وأن ننهي حالة الشيطنة فهذا هو وقت التعافي ومداوة الجراح في أميركا". كما قالت كمالا هاريس، الفائزة بمنصب نائب الرئيس، إن "جو بايدن سيعمل على مداواة جراح البلاد ونحن نفتح صفحة جديدة بالفعل في الولاياتالمتحدة". ولكن هل يستطيع بايدن تحقيق ما وعد به؟ يقول الكاتب الأميركي سكوت ماكونيل في عرض لرؤيته للموقف، نشرته مجلة "ذا ناشونال انتريست" الأميركية، إن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب واجه صحافة معادية له بدرجة كبيرة، وحمل على أكتافه عبء عدد لا حصر له من النواقص التي جلبها على نفسه، ولكن بالمقارنة بالرئيس المنتخب جو بايدن، فإنه يتمتع بميزة واضحة في بداية في فترة ولايته: وهي أنه هزم بعدل وإنصاف خصومه الأيديولوجيين في حزبه. فقد كان الحزب الجمهوري الأميركي يتمتع بقدر كبير من النفوذ داخل مجلسي النواب والشيوخ - ولم يكن بوسع ترمب أن يحكم بدونهما. وربما كان هناك استياء لسلطته على الحزب الجمهوري؛ فقد كانت المقاومة له من الدولة العميقة وسكان الضواحي الأثرياء شديدة للغاية، وتسببت في سقوطه في نهاية الأمر، لكن لا يستطيع أحد أن ينكر أن صعود نجمه كان يعتمد على الحماس الجماعي للناخبين. ولا يستطيع بايدن، والذي كان عضوا معتدلا في مجلس الشيوخ أن يتفاخر بشيء مثل ذلك. فقد فاز بعد بداية غير قوية بصورة محرجة لحملته. وحقق بايدن نجاحه في الوقت الذي أدت فيه جائحة كورونا إلى إغلاق البلاد. ومن المؤكد أن ذلك كان من المؤكد تقريبا الطريق المخيب للآمال للغاية للفوز في الانتخابات في التاريخ السياسي الأميركي الحديث. والحزب الذي رشح بايدن أكثر انقساما من الحزب الذي كان يهيمن عليه ترمب في عام 2016؛ والفرق هو أن المعركة بين فصائل الحزب لم تبدأ بعد. فالاشتراكيون قد ينضمون إلى الدولة العميقة وإلى الليبراليين الجدد في عالم الأعمال، في الاعتقاد (أو التظاهر بالاعتقاد- فهو أمر يصعب تمييزه) بأن دونالد ترمب شكل نوعا فريدا من التهديد للديمقراطية الأميركية. ولكن مع رحيل ترمب، ليس هناك شيء يجمع بينهم. ومن الممكن للمرء أن يتخيل قدرة سياسي موهوب (مثل بيل كلينتون في أوج تألقه) على تهدئة الانقسامات، والخاسرين إلى حد ما؛ وليس من المحتمل أن يستطيع بايدن أن ينجح في ذلك في أي مرحلة من مراحل عمله. فالانقسامات في الحزب الديمقراطي واضحة وأكثر تعقيدا بين التيار التقدمي الذي يقوده برني ساندر واليزابيث وارن ومعهما مجموعة من أعضاء الكونغرس، والتيار الوسطي القديم الذي يمثله بايدن وعدد من القيادات القديمة للحزب. وإحدى نتائج هذه الانقسامات هو أنه في الجولات الأولى من المرحلة الانتقالية لبايدن، كان كل اختيار للمناصب محفوفا بالهواجس العنصرية. وطوال الأسبوع الماضي، حاصر مئات من أتباع حركة "حياة السود مهمة" منزل عمدة لوس انجليس إريك غارسيتي، احتجاجا على احتمال منحه منصبا وزاريا في إدارة بايدن. فهم يعارضون جارسيتي الذي كان له دور رئيس في حملة بايدن، وربما المسؤول المنتخب من أصل لاتيني الأكثر شهرة في كاليفورنيا، لرفضه مطالب حركة "حياة السود مهمة" بخفض تمويل إدارة الشرطة. كما أن اختيار حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، المرشح للمقعد الذي كانت تشغله كامالا هاريس، نائبة الرئيس المنتحب، يتم مناقشته تماما على أساس سياسات الهوية، حيث يرى السود والأميركيون من أصل لاتيني وغيرهم من الجماعات، أن واحدا منهم يستحق المقعد؛ ولا يسمع المرء نقاشات على أساس الشخصية، أو الدراية (المعرفة)، أو المواهب السياسية للمرشحين المفضلين لديهم. ويضيف ماكونيل أنه مع ذلك، فإنه حتى إذا بدا أن حركة سياسات الهوية منذ الاحتجاجات الأولى التي أعقبت وفاة جورج فلويد، أكثر راديكالية، وشمولا وترويعا، لم يكن من الواضح أن الإيمان بها تغلغل في وعي أولئك الذي لم يكونوا زملاء دراسة، أو شبابا لم يرتبطوا بعد بعمل أو عائلة، أو نشطاء ليبراليين متخصصين. وليس هناك سبيل لمعرفة كيف سيستطيع بايدن، أو حزبه، تسوية هذه الأمور التي يمكن أن تربك أي سياسي أكثر حيوية يتمتع بتفويض انتخابي أكثر قوة. واختتم ماكونيل رؤيته بالقول إنه على هذا الأساس، يمكن توقع أن أولئك الذين صوتوا من أجل "عودة إلى الحياة الطبيعية" في عهد بايدن سوف يصابون بخيبة أمل شديدة في حقيقة الأمر.