لقد ظلت ظاهرة الإرهاب بمعتنقيها ومروجيها ومخططيها ومنفذيها، فعلا مقلقا ومحيرا منذ بروزها لدى الكثير من دول العالم، إذ أن مختلف تلك الدول التي استَنْفَرت لمحاربة الظاهرة، خاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ظلت تتخبط بين تحديد رؤية واضحة ترشدها إلى الأساليب الناجعة لمواجهة الظاهرة وطرق ملاحقة المتبنين لها وإخمادها. وقد ذهب الكثير من تلك الدول إلى تتبع العناصر الإرهابية التي تخطط للعمليات الإرهابية أو تسعى إلى تنفيذها، وبالفعل أثمرت جهود غالبيتهم عن كشف الكثير من العمليات المدبرة والإيقاع بالمتورطين فيها، وكان مرد ذلك يعود إلى تكثيف الجهود الأمنية وانتشارها في معظم مناطق البلدان المستهدفة. ولكن ورغم كل تلك الجهود ظلت الظاهرة تنشط بين الحين والآخر، لتفشل في مكانٍ وتتمكن في آخر، وذلك لأن جهود الإمساك بخيوط منابع الإرهاب لم تكن دقيقة، بل غابت في الكثير منها عمق الرؤية والنظرة الثاقبة وصولا إلى استئصالها جذورها، فالبعض تعامل مع الممولين، والبعض الآخر استهدف المخططين، وتناسى جلُّ هؤلاء أن تجفيف منابع الإرهاب يبدأ من الإطاحة بأرباب الفكر نفسه، الذين تمكنوا من خلق قنابل بشرية بديلة وجاهزة لتلغيم المستقبل، فكلما أُبيدت جماعة أرسلوا أخرى وهلُمَّ جر، وكان أول من تنبه لهذا الأمر وتعامل معه بوضوح من بين تلك الدول المملكة العربية السعودية، والتي يُحسَب لأميرها الشاب محمد بن سلمان، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، الذي أمسك بكل الخيوط بدءا من تحجيم أرباب الفكر الضال، ومرورا بتكثيف الجهود الأمنية لرجال الأمن البواسل، وانتهاء بتكثيف الجهد الاستخباراتي الذي تمكن من كشف أي عمل إرهابي لحظة ميلاده، متكئا على متانة رؤية طموحة جعلت الكثير من المراقبين الدوليين يخلع قبعته انحناءً لمقدرة استثنائية تمتع بها ولي العهد، وفي زمن لا يمكن وصفه إلا بزمن قياسي، وبامتياز متوج بمرتبة الشرف الأولى. فرغم كثرة الملفات المعقدة ومؤامرات الحاقدين المتزايدة، إلا أنه استطاع أن يحيل سهام الإرهاب وقضية العالم الأولى إلى نبال تعود أدراجها إلى صدور مطلقيها، فتمكن من خلق واقع أمني يلمسه كل المتفيئون تحت ظلال مملكة الإنسانية، فاجتث الفعل الإرهابي في بلاده، وبعون من الله وصل الإرهاب في المملكة إلى المستوى صفر، وباتت تجربة الأمير الشاب في ذلك تمثل منهجا مغايرا للكثير من الدول التي ما زالت تعاني من ظاهرة الإرهاب رغم كل الجهود المبذولة لمكافحتها في بلدانهم.