المطر في الذهنية العربية يعني الحياة وبقاءها واستمرارها لأن بلادهم (الجزيرة العربية) قاصية شحيحة المطر.. فلا أنهار بها ولا عيون.. ولذا فلا نكاد نجد شاعرا عربيا في الجاهلية إلا تحدث عن المطر والغدير، بل وحتى عندما ذهبوا إلى بلاد الأندلس وهي وافرة المياه كثيرة الأنهار والبحيرات غير أن هاجس السيل كان راسخاً في عقليتهم الشعرية وكثيرٌ منا يحفظ البيت الشهير: جادك الغيث إذا الغيث همى *** يا زمان الوصل بالأندلس ولعل من أكثر الشعراء وصفاً للمطر والسحاب هو الشاعر ذو الرمة فقد أوقف شعره كله تقريباً على محبوبته مي وعلى وصف المطر والصحراء وموجوداتها فلا تكاد تقرأ قصيدة من قصائده إلا وتجد وصف المطر ورعده وبرقه ورياحه، فلقد كان مفتوناً بصوت المطر وتلاعج البروق.. ومن يريد التعرف على سحر الصحراء وجمالها فليذهب إلى ديوانه رغماً عن ألفاظه الخشنة بسبب أنه لم يدخل المدينة في حياته إلا مرات قليلة. ولذا فإن علماء اللغة كانوا يكثرون من الاستشهاد بشعره لأنه لم يختلط بالحضر الذين ربما شابت لغتهم بعض الألفاظ الأعجمية. ولكن لعل من ألطف ما قيل في هذا هما بيتان لأوس بن حجر في وصف السحاب القريب من الأرض حيث قال: يا مَن لِبَرقٍ أَبيتُ اللَيلَ أَرقُبُهُ *** مِن عارِضٍ كَبَياضِ الصُبحِ لَمّاحِ دانٍ مُسِفٍّ فُوَيقَ الأَرضِ هَيدَبُهُ *** يَكادُ يَدفَعُهُ مَن قامَ بِالراحِ فهو يصف السحاب بأنه مطمئن قريبٌ إلى الأرض حتى ليكاد المرء الواقف أن يلمسه براحة يده... ووصف المطر والسيل في الشعر العربي سمةٌ في شخصية هذا الشعر بعامة ولذا فنحن نجده في الشعر العامي أيضا ولعل قصيدة محسن الهزاني في الاستغاثة من أشهر ما قيل في هذا الشأن... فاللهم أغثنا وأنشر رحمتك على الحاضر والباد يا سميع الدعاء ويا واسع الرحمة والمغفرة.