لايجادل محلل أو باحث سياسي في أن حال الناخب الأميركي اليوم صارت أشبه بحال الباحث عن ما نعرفه في التراث العربي ب(رمانة الميزان) وهي تلك الكرة الحديدية التي كان البائعون قديما يستخدمونها لحسم الوزن الأقرب للسلعة المباعة. اليوم وحتى اللحظة لا يوجد ذلك الفارق الذي يمكن حسمه دون تشكيك (قطعي مطلق وحاسم) لمصلحة طرف على آخر بين المرشح الجمهوري والديمقراطي من ناحية النظرة الشعبية وبعض الإعلامية والصحفية وحتى بعض الآراء القانونية. قبل أيام سعت حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى الطعن في صحة إعلان وسائل إعلامية فوز منافسه جو بايدن بانتخابات الرئاسة، وطالبت بإعادة فرز الأصوات في ست ولايات حاسمة... وزعمت أن لديها أدلة على تصويت أشخاص متوفين أو أشخاص ليس لديهم الحق في التصويت من الأماكن التي صوتوا منها بل وأشارت إلى قيود فرضت على مراقبيها في العديد من أماكن الفرز، وبشكل عام فالمتعارف عليه هنا في الولاياتالمتحدة أنه وفي مثل هذه الأحوال تتم عملية إعادة فرز الأصوات للتأكد من دقة نتائج الفرز في المرة الأولى وضمان عدم حدوث أخطاء، وهي سمة شائعة نسبيا في الانتخابات الأميركية التي تخص المقاعد في الكونجرس، لكنها نادرة في السباقات الرئاسية، لكن بعض المراقبين يرون أن "إعادة الفرز أمر روتيني" مع الإقرار أن الفرز أول مرة كان دقيقا إلى حد ما، على الرغم من احتمال وجود أخطاء صغيرة، غالبا ما تنتج عن اختلاف الأحكام حول كيفية عد أوراق الاقتراع التي تم ملؤها باليد وغيرها من المشكلات، بينما في ولايات محددة. يقوم الناخبون بملء بطاقات اقتراع تمر عبر ماسح ضوئي يقوم بفرزها، وفي حال فشل الجهاز في تحديد اسم المرشح الذي قام الناخب بالتصويت له، تقوم مجموعة من المشرفين على الانتخابات، تضم أفرادا من كلا الحزبين، بمراجعة البطاقات لتحديد مصيرها. وخلال الأيام الماضية تابعت هذه الإشكالية وتوصلت إلى أن عمليات إعادة الفرز تبقى شائعة، خاصة بالنسبة للانتخابات المحلية وأن هناك ثلاث عمليات إعادة فرز فقط خلال العقدين الماضيين قد غير نتائج سباقات ليس منها أي سباقات رئاسية... لكننا في الحالة الترمبية اليوم تجاه الفائز المؤقت جو بايدن نصطدم بمسألة الانتخاب عبر البريد والذي تسببت به جائحة كورونا وفريق حملة ترمب يبذل الآن كل المساعي من أجل تقديم أدلة قوية على وجود تزوير كي يتمكنوا من متابعة القضايا القانونية التي سيرفعونها كذلك مجددا في شهر ديسمبر المقبل. اليوم الحديث هو عن أخطاء يسميها بعض الأميركيين بالخطايا مثل ثقوب بطاقات الاقتراع ناهيك عن القضية الأساسية التي يحاربها الرئيس ترمب وفريقه منذ أبريل الماضي وهي التصويت عبر البريد... ولو نظرنا إلى السياق القانوني من بدايته فإنه يتعين على الفرق القانونية أولا الطعن في النتائج في المحاكم على مستوى الولايات، على الرغم من أن وزير العدل الأميركي ويليام بار قد وافق أيضا على "التحقيقات الأولية" من قبل المدعين الفيدراليين... وسيتعين على قضاة الولايات بعد ذلك تأييد الطعن والأمر بإعادة فرز الأصوات... ويمكن بعد ذلك أن يُطلب من المحكمة العليا أن تدلي بدلوها في هذا الامر... ويجب أن تكون هناك حجج فيدرالية أو دستورية مشروعة في قلب الشكاوى التي ستقدم. أما المظاهرات التي خرجت من مؤيدين لكلا المرشحين فلا قيمة قانونية لها وأما ما تكرر بعض القنوات من شبح الحرب الأهلية في أميركا نظرا لضالة الفارق حتى لو سلمنا الآن بالنتيجة فإن هذا لا تؤمن به العقلية الأميركية بل هي عقلية عريقة في الديمقراطية. خلال الساعات الماضية طرد الرئيس دونالد ترمب مسؤولا كبيرا أشرف على تأمين الانتخابات الأميركية بعدما عارض المزاعم حول حدوث تزوير خلال الانتخابات الرئاسية... وهو مدير وكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنية التحتية كريس كريبس، وذلك بسبب تصريحات "غير دقيقة للغاية" أدلى بها بشأن نزاهة التصويت حسب تبرير البيت الأبيض ويدير كريبس وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية منذ تأسيسها قبل عامين، في أعقاب الفوضى التي أحدثتها مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية 2016... ولم يبد كريبس أي ندم أو غضب من القرار، إذ غرد قائلا عبر تويتر "تشرفت بالخدمة، فعلنا الصواب، دافع اليوم لتكون آمنا غدا". وقد عملت الوكالة التي كان يرأسها لحماية أمريكا ضد أي هجمات إلكترونية محتملة، بالتعاون مع مسؤولين محليين وفيدراليين عن الانتخابات وكذلك مع شركات خاصة تزود الحكومة بأنظمة التصويت، أما المراقبون الآخرون فقد قالوا إن "الحقيقة هي أنه منذ يوم الانتخابات، سعى الرئيس ترمب إلى نزع الشرعية عن نتائج الانتخابات من خلال الانخراط في حملة تضليل يمكن أن تزعزع ثقة الشعب الأمريكي في انتخاباتنا لأجيال قادمة". ومع كل هذا فإنه يجب القول انه هناك عملية مستمرة لن تعطلها حتى الدعاوى القضائية التي قد تكون صحيحة وقد لا يكون لها أساس من الصحة... ويجب كذلك قانونا الانتهاء من جميع النزاعات الانتخابية (مثل عمليات إعادة الفرز والطعون في المحاكم) بحلول 8 ديسمبر، حتى يتمكن ناخبو الولاية من تقديم أصوات الهيئة الانتخابية بحلول 14 ديسمبر. وهذا هو إضفاء الطابع الرسمي على التصويت الذي تم بالفعل. قد يحاول الرئيس ترمب تأخير هذه العملية من خلال التقاضي المستمر، لكن نظام الانتخابات الأمريكية قد أعاق حتى الآن محاولاته لتعطيل العملية. كما يبدو أن هناك رغبة ضعيفة بين الحزب الجمهوري لربط نفسه برئيس مهزوم، وهناك بالفعل دلائل على أن فريقه أصبح مستسلما للهزيمة. اليوم يشكك الرئيس ترمب بنتائج الانتخابات الرئاسية -وهو أمر غير مسبوق في التاريخ السياسي الأمريكي- فهل يسعى إلى البقاء في الواجهة أم يريد الانقلاب على المسار الديمقراطي؟.كما أنه يرفض الاعتراف بهزيمته أمام الرئيس المنتخب جو بايدن كما ينص التقليد الأمريكي عقب إعلان فوز أحد المرشحين. وفي رأيي لا يفعل الرئيس ترمب سوى ممارسة حق شرعي في المطالبة بالتحقق من نتائج فرز الأصوات في انتخابات كانت النتائج فيها متقاربة جدًا بينه وبين جو بايدن في بضع ولايات حاسمة، حيث يدعي أن الانتخابات شابها الغش. حيث قال في تغريدته الشهيرة "الانتخابات مزورة" النظرية الشائعة هنا في واشنطن هي أن الرئيس ترمب عازم على الانسحاب، ولكن من خلال إظهار سلوك يتعارض مع تواضع المهزوم ولياقة شخص انتهت ولايته. ويمكن له كذلك الاستمرار في رفض الاعتراف بهزيمته والبقاء مخلصًا لصورته التي يحب أن يعطيها عن نفسه، وهي صورة "المقاتل" و"المنتصر"، وهو الذي يقول دائماً إنه يكره "الخاسرين". وحتى وإن حل في المركز الثاني في السباق إلى البيت الأبيض، فهو يعلم أنه نتيجة لذلك يمكنه الاعتماد على قاعدته الانتخابية والتي تضم أكثر من 72 مليون صوت. الرئيس ترمب شخص اختصر بسنواته الأربع كاريزما الرئيس والإنسان الأمريكي بكل تفاصيلها فليس هناك من رئيس قبله ولا بعده سيستطيع أخذ ذلك البريق الإعلامي الذى طبع شخصه وكاريزماه الاستثنائية وليس ببعيد منا ذلك القبول الذي لاقاه به الأميركيون في تمويل "صندوق الدفاع عن الانتخابات الرسمي"لايعدو كونه فكرة هلامية ولا يمكن أن يخدم سوى رغبته في البقاء في الواجهة، حتى في ظل رئاسة بايدن. ...الشهران المقبلان يقف فيهما العالم على أعصابه فمن ناحية يتمتع الرئيس ترمب يشعبية غير عادية في مساحات شاسعة من بلاده، واتصال عميق بالآلاف من أنصاره أوصلهم إلى شعور عميق بالإخلاص له كما قلنا، وحتى الطرف الآخر فإنه حتى وإن أشغل نفسه بتحليل نقاط ضعف سياسيات ترمب في انتخابات 2020 فعليه كذلك أن يقر بعناصر قوته السياسية فهو رغم كل ما حدث في العالم هذا العام وفي أميركا أيضا فقد حصل على أكثر من 70 مليون صوت في وقت قضت فيه الكورونا على أحلام كثير من السياسيين في البقاء تحت شعبية لا تتجاوز عشرة أو عشرين في المئة في أفضل الأحوال.... إنها الحالة الترمبية التي لا تتكرر.