في ظل المتغيّرات المحيطة بالشرق الأوسط ونفوذ الولاياتالمتحدة انتخب الأميركيون جو بايدن ليكون رئيسهم القادم مفضّلين ابن المؤسسة الحكومية الأميركية والذي يوصف بالخبير والمخضرم في السياسات الخارجية الأميركية. وفي تصريحات متكررة أطلقها "أنتوني بلينكن" المساعد السابق لجو بايدن والمستشار الخاص لحملة جو بايدن والمرشّح لشغل منصب رئيس الأمن القومي الأميركي في الإدارة الديموقراطية أكّد بلينكن أن بايدن الضليع في السياسات الخارجية الأميركية والأسس التي بنت عليها الولاياتالمتحدة علاقاتها مع دول العالم ولاسيما أقرب الحلفاء ستكون متوازنة وتراعي حاجة الولاياتالمتحدة أكثر من أي وقت مضى للحلفاء وستستفيد من إنجازات السياسات الخارجية في عهد ترمب ويبني عليها حيث صرّح بلينكن مثلاً "لا تتوقّعوا رفعاً للعقوبات عن إيران حين يصل بايدن إلى البيت الأبيض". ملامح إدارة بايدن وتمسّكها بتقاليد السياسة الأميركية لم تؤكّدها فقط تصريحات المقرّبين منه، بل أكدّها أيضاً خياره لشريكته في البيت الأبيض، وذلك حين اختار كاملا هاريس لتكون نائبته. النائب هاريس وعلى عكس اتّهامات الرئيس ترمب لها بأنها يسارية راديكالية، تنتمي أيضاً إلى المؤسسة الأميركية التقليدية، حيث وقع اختيار جو بايدن عليها بدلاً من بيرني ساندرز و إليزابيث وارن الخيارين اليساريّين اللذين يبحثان عن بناء دور أميركي عالمي مختلف عمّا عهده العالم من الولاياتالمتحدة. فهاريس تؤيّد استمرار الولاياتالمتحدة بلعبها دوراً محورياً ومؤثّراً في العالم، وتشدد على أهمية التمسّك بالعلاقات التاريخية مع الحلفاء بعد أن كثر الحديث عن تراجع الدور الأميركي في العالم. وفي حوارها مع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي حين كانت هاريس مرشّحة للرئاسة في الانتخابات الأولية في الحزب الديموقراطي، عبّرت هاريس عن فهمها لأهمية العلاقة الأميركية - السعودية وما يجمع البلدين من اهتمامات ومصالح مشتركة حيث تقول "علينا الاستمرار بالتنسيق في مختلف المجالات التي نستمر بامتلاك رؤية مشتركة فيها". وفي تصريحات خاصة لجريدة "الرياض" يشرح نورمان راؤول، المسؤول السابق في "سي اي اي" طبيعة العلاقة الأميركية السعودية وأسسها التي ترسّخت واستمرّت على مدة سبعين عاماً بأسس وضعها كل من الملك المؤسس الراحل عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفيلت ابن الحزب الديموقراطي. فيقول راؤول، إن العلاقة التي بدأت على أسس التعاون بين السعودية كأهم أقطاب العالم الإسلامي وأكثر الدول تأثيراً في قطاع الطاقة والولاياتالمتحدة التي خرجت كأقوى دولة بعد الحرب العالمية الثانية استمّرت وتحدّت كل العواصف السياسية والمتغيرات في البلدين لأنها تأسست أصلاً بناءً على عوامل ضرورية تجعل البلدين يتمسّكان بهذه العلاقة. مضيفاً، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج أن ننسق مع المملكة العربية السعودية وهو قرار راسخ في مؤسسات الدفاع والاستخبارات والخارجية الأميركية للاستمرار بمكافحة الهم المشترك الذي يمثّله الإرهاب الدولي العابر للحدود وخاصة في الشرق الأوسط حيث يعيش مئات الآلاف من الأميركيين ونحن بحاجة إلى الاستمرار بالتنسيق مع أقرب حلفائنا وفي مقدمتهم السعودية لضمان عدم تعرّضهم وتعرّض الحلفاء لهزّات غير متوقعة من الإرهاب الذي دحر شكلياً حين هزمنا داعش من خلال التحالف الدولي المشترك ولكن دون أن يزول خطره بشكل نهائي. ويشير راؤول إلى الإنجازات المشتركة التي حققتها الولاياتالمتحدة من خلال التنسيق المشترك مع السعودية والتي استمّرت عبر السنوات السبعين الماضية بالحفاظ على هيكليتها واستمراريتها واستقرارها ما يجعلها شريكاً فاعلاً للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والعمل على ملفّات تعتبر هماً مشتركاً للبلدين. ويقول راؤول العلاقة التي كانت لوقت طويل إحدى جوانبها متطلّبات استقرار سوق الطاقة العالمي، تعدّت هذا المجال في ظل المتغيّرات التي واجهت المنطقة، وواجهت السياسات الأميركية، فالسعودية اليوم كبلد مسلم رائد يجري إصلاحات اجتماعية هائلة تتمثّل بمنح المرأة حقوقها هي خير شريك للولايات المتحدة للعب دور قيادي في تعميم الوعي المجتمعي والإسلامي المعتدل وهو أمر سيساعد العالم الإسلامي وسيتطلّب تنسيقاً أميركياً سعودياً في أماكن مهمة في العالم الإسلامي ترغب الولاياتالمتحدة بترميم دورها فيها مثل أفغانستان التي تواجه مشكلة حقيقية فيما يتعلّق بحقوق المرأة، بالإضافة إلى تطلّع الولاياتالمتحدة لإصلاح العلاقات والصراعات على المنابع المائية في السودان وإثيوبيا ومصر وهو ملف آخر أتوقع أن تلعب العلاقة السعودية الأميركية دوراً رائداً في محاولة إصلاحه إذ يشكّل هذا الصراع على المنابع المائية تهديداً حقيقياً طويل الأمد للاستقرار في منطقة مهمة يمكن للسعودية التأثير فيها. ويرى راؤول أن الولاياتالمتحدة لا تملك شريكاً أفضل من السعودية للوصول إلى العالم الإسلامي، والعمل على حل صراعات دامت طويلاً مثلما هي الحال في الملف السوري الذي بدأ يهدد الحلفاء الأوروبيين بشكل كبير وخاصة أن العلاقات الأميركية الأوروبية ستزدهر في عهد جو بايدن، وأوروبا بطبيعة الحال لا ترى حل الملف السوري في تركيا وإدارة جو بايدن ستنظر على الأرجح في نفس الاتجاه. ويفيد راؤول بأن العلاقة مع أميركا في عهد جو بايدن سيكون لها جوانب مريحة بالنسبة للحلفاء وفي مقدّمتهم السعودية حيث سيسهل التعامل مع إدارة بايدن كرجل مؤسسات ولن يكون هناك مفاجآت غير متوقعة في عهده، بالإضافة إلى أن بايدن وإدارته والديموقراطيين عموماً لن ينظروا إلى أي تنسيق صيني مع دول المنطقة مثلاً على أنه تهديد للولايات المتحدة رغم أن صعود نفوذ الصين سيدفع الإدارة الجديدة للتمسّك بالعلاقة مع السعودية، حيث يعتبر الديموقراطيون أن علاقات الدول ببعضها البعض هو أمر سيادي بحت لا يستدعي أي ضغوطات أو تدخّلات من أميركا وأن العلاقات يجب أن تقوم مع الحلفاء على أساس مؤسساتي منتظم. أما تيودور كاراسيك، المحلل السياسي الأميركي فيقول "التأويلات الغاضبة التي تنتشر على لسان من يسمّون أنفسهم بالمحللين ولكنهم في الواقع يتبعون أجندات معيّنة تكثر هذه الأيام حول العلاقات السعودية الاميركية في عهد جو بايدن وكل هذه الضوضاء تنافي الواقع" مضيفاً "العلاقات السعودية الأميركية متجذّرة بعمق بغض النظر عن الضوضاء، فالسياسة تتذبذب وتتغير في أميركا منذ سبعين عاماً على بدء هذه العلاقة وليس من اليوم وأمس ومرّ عليها رؤساء ديمقراطيون وجمهوريون ومرّت العلاقة بتحدّيات كانت الأكبر في تاريخ العلاقة مع رؤساء سابقين سواء ديموقراطيين أو جمهوريين" ويقول "العلاقة قائمة أصلاً على الأخذ والعطاء في المصالح المشتركة ولاسيما الأمنية، فبدون التنسيق مع المملكة العربية السعودية لا تتمكن الولاياتالمتحدة من إنجاز الكثير من أهدافها الجيوسياسية في الشرق الأوسط". ويؤكد كاراسيك "السعودية غداً كما في الماضي، ستفعل ما تشعر بأن عليها فعله في كل ملف من الملفات الداخلية والخارجية والعلاقة مع أميركا تتقدّم دائماً على هامش ما تراه السعودية أفضل لها من الناحية السيادية". ويقول كاراسيك "بينما يثير البعض الضجيج حول العلاقة السعودية الأميركية مع كل هزة تحدث في الشرق الأوسط أو تغيير يحدث في البيت الأبيض تستمر المؤسسات الأميركية بالتنسيق اليومي مع المؤسسات السعودية أما ما يطرحه أعداء هذه العلاقات من احتمالات تضخيم بعض الأمور والملفات فهو ليس في نطاق السياسة ولن نراه في أجندات أميركا بعد 20 يناير 2021 وهذا ما يسمى بالسياسة الواقعية".