لم يبتعد جو بايدن، المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية للعام 2020 كثيراً عن الرؤية التقليدية للحزب الديموقراطي الذي يمثّله حين اختار كامالا هاريس كنائبة له، فبايدن الذي صوّت له الديمقراطيون ليكون مرشّح الحزب الديمقراطي للرئاسة دوناً عن وجوه يسارية راديكالية مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارن، أدرك بأن الخط الراديكالي لا يملك شعبية كبيرة في أوساط الأميركيين ليبتعد عن اختيار التقدمية "ايليزابيث وارن" ويقع اختياره أخيرأً على كامالا هاريس. ومع اختيار جو بايدن لشريكته في الحملة الانتخابية تكون أركان السباق الانتخابي الأميركي قد اكتملت وبدأ الصراع الجدي بين مرشحي الحزبين على أصوات الناخبين في نوفمبر المقبل. وتعتبر كامالا هاريس ديموقراطية تقليدية، بعكس أصحاب التوجّه اليساري التقدمي الجديد في الحزب الديموقراطي والذي يمثّله بيرني ساندرز الداعي لثورة على "النظام الأميركي"، فهاريس السيدة السوداء وهي ابنة لمهاجرين من الهند وجامايكا وعلى الرغم من أنها ستكون أول سوداء تترشح لمنصب نائب الرئيس في أميركا كانت تشغل منصب مدّعي عام في ولاية سان فرانسيسكو الأميركية، أي لها تاريخ كبير في عالم التحقيق الجنائي ويعتبر اختيارها كنائبة للرئيس في الوقت الذي تعاني فيه أميركا من احتجاجات بسبب العنصرية أمر مطمئن للأطراف المتناقضة، أي المحتجين، وكذلك المتخوّفين من دعوات بعض اليسار الراديكالي لحل جهاز الشرطة في أميركا، حيث عرف عن هاريس بأنها مدعية عامة حازمة وتؤمن بأهمية دور الشرطة لتطبيق القانون وإرساء الأمن في الولاياتالمتحدة. هذا ويعتبر جو بايدن سياسياً أميركياً بعيداً عن الانعزالية، يؤمن بأهمية دور أميركا المحوري وعلاقاتها مع حلفائها التاريخيين، وعلى هذا الأساس اختار نائبة تشاطره هذه الأفكار، حيث ترى هاريس أن أميركا يجب أن تعود للعب دورها المحوري في المشهد الدولي، وفي حوار سابق كانت قد أجراه مركز العلاقات الخارجية الأميركي مع كامالا هاريس حول رؤاها للسياسات الخارجية كانت هاريس قد أعربت عن رغبتها في أن تكون "الصين" في مقدمّة اهتمامات أي سياسة خارجية للولايات المتحدة، وترى هاريس أن سجل الصين السيئ في مجال حقوق الإنسان يجب أن يلعب دور بارز في رسم العلاقة مع بكين وخاصة محاولات بكين اطباق الخناق على "هونك كونغ" وإنهاء خصوصيتها التجارية والسياسية، بالاضافة الى عدم تعاون الصين مع المجتمع الدولي في ملف تهتم به هاريس وهو ملف "التغير المناخي"، كما ترى هاريس أن الرئيس ترمب أتاح المجال للصين لتنتهك حقوق الإنسان وتوسّع من نفوذها في العالم على حساب المصالح الأميركية، واستمر بغضّ النظر عن سلوكيات بكين أملاً في عقد اتفاق تجاري ضخم مع الصين، إلا أن كل هذا حدث "دون جدوى" بحسب ما تقول هاريس، حيث لم تنجح واشنطن بعد أربع سنوات من المداولات من عقد الاتفاق التجاري الذي تحدّث ترمب عنه لسنوات. وفي اطار الملف الايراني، ترى هاريس ان انسحاب الرئيس ترمب أحادي الجانب من الاتفاق النووي دون خطة طويلة الأمد هو أمر "طائش للغاية" بحسب كلمات هاريس حيث تقول أنه ومنذ قرار الانسحاب لم نشهد الا تصعيد متبادل من الجانبين وصراع غير منتهي أجج الحروب الكارثية في الشرق الاوسط ولم ينهيها، واقترحت هاريس أن تعقد الولاياتالمتحدة اتفاقاً مع إيران بشرط أن يشمل الاتفاق الجديد سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة ووقف برنامجها للصواريخ البالستية والتخلي عن طموحها بامتلاك سلاح نووي. وفيما يتعلّق بكوريا الشمالية، أعربت هاريس عن رغبتها برؤية الولاياتالمتحدة تقف مواقفاً حازمة ضد أعدائها التقليديين، ومواقف أخرى وفية مع أصدقائها وحلفائها، حيث تقول "لن أتبادل رسائل الحب مع كيم جونغ أون ولن أمنحه انتصاراً تلو الآخر دون أن أحصل منه على تنازلات حقيقية" لافتة إلى أن الملف الكوري الشمالي معقّد ويحتاج الى الكثير من العمل الجاد لمنع كوريا الشمالية وامتلاك أسلحة نووي. وترى هاريس أن التعامل الأميركي مع كوريا الشمالية يجب أن يتّسم بالحذر والاستفادة من التجارب السابقة فمجرد المطالب الدبلوماسية من كوريا بأن تتخلى عن تطوير سلاح نووي لن ينفع، وأي مفاوضات يجب أن تكون مثمرة وتفضي الى تنازلات حقيقية من كوريا الشمالية مع رفع لبعض العقوبات التي ستطور حياة الشعب الكوري الشمالي اذا ما التزم نظام بيونغ يانغ التفاهمات. ترى هاريس أيضاً أن استخدام روسيا للقوة العسكرية للاستيلاء على الأراضي وتقويض أمنها وسيادتها هو من الأمور التي يجب مواجهتها وخاصة في شبه جزيرة القرم الاوكرانية وجورجيا، داعية الى سياسات أميركية تقف في وجه بوتين وسياساته التخريبية المعارضة لكل التفاهمات الدولية اللاحقة للحرب العالمية الثانية. في أفغانستان والشرق الأوسط، ترى هاريس أن التوصل لحل سياسي في أفغانستان هو شرط هام لتحقيق هدف سحب القوات الأميركية من البلاد "بمسؤولية" على حد قولها لضمان عدم تحول افغانستان إلى ملاذ للارهابيين بعد الجهود الأميركية الطويلة فيها. وفي حوارها مع مجلس العلاقات الخارجية، عبّرت هاريس عن فهمها لأهمية العلاقة الأميركية - السعودية وما يجمع البلدين من اهتمامات ومصالح مشتركة حيث تقول "علينا الاستمرار بالتنسيق في مختلف المجالات التي نستمر بامتلاك رؤية مشتركة فيها". ولا تختلف هاريس كثيراً عن غيرها من السياسيين الأميركيين في نظرتها للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي حيث أكدّت على أن اسرائيل حليف هام وقديم للولايات المتحدة وعلى واشنطن لعب دور بنّاء لتحقيق عملية السلام والتوصل لحل الدولتين وضمان أمان إسرائيل كدولة يهودية وصديقة للولايات المتحدة مع ضرورة التفاوض لمنح الفلسطينيين الحق في حكم نفسهم في دولة مستقلة تنعم بالسلام والكرامة.