عندما يتحول التعبير الفني إلى لغة اتصال بالآخرين ينتقل الإحساس إلى المتلقي قوياً.. وكأنه يعيش اللحظة ذاتها.. بمجرد مشاهدته للوحة رغم بساطتها وعدم تعقيدها، إلا إنها تصف حالة إنسانية عميقة، تدعم تحقيق البعد النفسي والإنساني من خلال القيمة الفنية التي تجسد الإحساس بالقهر والألم رسمها الفنان النرويجي (إدوارد مونخ) العام 1893م؛ نتيجة لإحساسه بمدى القسوة التي يتعامل بها الناس مع المعوقين، خاصة وهو ينتمي إلى عائلة بها أكثر من معوق. وكان تعامل الناس معهم فظا وخاليًا من التعامل الإنساني، فهم ينظرون إليهم كمخلوقات ناقصة أو غير بشرية، ولا يفكرون في حجم الألم النفسي الذي يعاني منه الشخص المعوق، وكمّ الإهدار لإنسانيتهم في مقابل بيئة مادية سيطرت على أجواء الحياة، ومع ما يبدو من تعبيرات في اللوحة مدى التفاعل في ذاتية الفنان نفسه، فيظهر ارتباط مفردات الشكل في وحدة بنائية قوية، من خلال مضمون تعبيري قوي يمثل الحقيقة. اللوحة كانت عبارةً عن زفرة قوية عميقة بائسة أشبه ما تكون بشهقة ترتجي الخلاص؛ تمخض عنها وجه مخيف المعالم، يصرخ في فزع قاتل في شكل شخص يقف بوجه يشبه الجمجمة، ويضع كلتا يديه على أذنيه. رُسم الشكل الذي يرمز إلى الوجه بهذه الطريقة ليؤكد على المضمون التعبيري الذي يوحي به، فقد استوعب سمات الصرخة حتى يخيل لنا أنها صرخة مسموعة تشير إلى النهايات... وقد رسم الفنان محيط اللوحة بعناصر تدل على ما كان يعيشه من إحساس فرسم البحر باللون الأسود؛ كناية عن إحساسه بالكآبة التي يعاني منها، فيما بدت السماء ملتهبة غاضبة، وكأنها تحترق خلفه على الجسر الممتد، وجاءت الخطوط بإيقاعات متوترة في اتجاهات ملتوية ومترددة توحي بمأساة درامية داخل هذا الإنسان، فيما يبدو في نهاية الجسر شبحان لرجلين يسيران ولا يلتفتان، وكأن الأمر لا يعنيهما بشيء هما صديقا الفنان، وقد مثل الفنان بهما العالم الذي لا يأبه فيه أحد لأحد؛ ليصف حالة إنسانية عميقة تعكس معاناةً أليمةً قد تتكرر في نفس الأوضاع.