شاعت لفظة (أوبرا) بوصفها علامة فنية تضم الفنون السبعة التي رسمها (إيتيان سوريو) ضمن دائرة واحدة، وإن كانت تنصرف أحياناً إلى المعنى الفني الخالص، بيد أنها قد تشكّل بُعداً ثقافياً متنوعاً، على نحو ما هو ملموس في بعض دُور (الأوبرا) عالمياً؛ ويبدو أن وزارة الثقافة السعودية التي تتألق يوماً بعد يوم، أخذت تؤسس لما يشبه (الأوبرا) الثقافية التي تهتم بكل تفاصيل الثقافة والفنون كالأدب، والترجمة والنشر والأزياء والطهي، والتراث والموسيقا والفنون البصرية والمسرح والفنون الأدائية والتصاميم والأفلام والمتاحف والمواقع الأثرية والثقافية. ومملكتنا العظيمة التي لم تقصّر يوماً في خدمة الثقافة وأهلها؛ ما زالت تدعم الثقافة، وما زالت تزخر بالمعالم الثقافية التي يمكن أن تكون نواةً ل (أوبرا) ثقافية عملاقة ومتعددة؛ كمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي بالظهران (إثراء)، ومركز الملك فهد الثقافي بالرياض، ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي بجدة، والمركز الثقافي بالمدينة المنورة، ومركز الملك خالد الحضاري ببريدة، وغيرها من المراكز الثقافية والمعالم الحضارية، والأندية الأدبية، والجمعيات الثقافية التي ينعم بها وطننا الغالي. وتعد الأندية الأدبية ولجانها الثقافية الفرعية بيئة ملائمة لتأسيس دار ثقافية أو (أوبرا) ثقافية مصغّرة في كل منطقة؛ فالبيئة المناسبة والعناصر الرئيسة والإمكانات الأساسية والمسارح المميزة كلها متوفرة والحمد لله؛ وهي فرصة سانحة لتواشج الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والمراكز الثقافية والحضارية في إنشاء دور ثقافية (أوبرا) كثيرة تحلّ بديلاً عن المراكز والأندية والجمعيات. إن الناظر في تلك القطيعة الثقافية بين أكثر المراكز الثقافية والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون يدرك أننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى وجودٍ دار ثقافية واحدة في كل منطقة تؤلّف بين تلك المؤسسات وتوحّد همومها الأدبية والفنية والثقافية عموماً، ولا سيما أن فروع الثقافة اليوم - ضمن رؤية المملكة الجديدة - أصبحت واسعة المجالات، ومتنوعة الاتجاهات، وغزيرة الأهداف والتطلعات، وهو ما يشير إلى أن وجود دار ثقافية تشبه (الأوبرا)، وتضم تلك الفروع وغاياتها قد يشكّل أثراً ثقافياً مهماً وملمحاً حضارياً نوعيًّا. إن هذا التصور البيني قد يوفّر الشيء الكثير اقتصادياً، ويولّد الشيء الكثير ثقافياً، ولا يتم ذلك - في نظري - إلا من خلال دمج الأندية الأدبية بجمعيات الثقافة والفنون، وتحويلها مجتمعةً إلى اسم (الدار الثقافية في منطقة كذا)، أو (دار الآداب والفنون بمنطقة كذا)، أو (دار الثقافة والفن في منطقة كذا)، ويتكون مجلس إدارتها - مثلاً - من رئيس متخصص في إحدى هيئات الثقافة المعتمدة وأعضاء أحد عشر ينتمون إلى كل فرع، وينضوي تحت تلك الدار أندية أو جمعيات أو دوائر تمثّل كل هيئة (نادي الأدب، أو جمعية الأدب، أو دائرة الأدب.. المسرح .. الفن التشكيلي .. الأفلام...) وتكون فعاليات الدار مغطيةً لجميع مناشط الهيئات الثقافية؛ عندئذ سوف يصبح لون الثقافة عندنا أكثر إشراقاً وتجدداً، ونتحول من الأندية الأدبية إلى الدور الثقافية، ومن الثقافة إلى (فسيفساء الثقافة).