لم يكن برنامج "مواسم المملكة 2019" الذي يختتم نسخته الاولى "بموسم الرياض" مقتصراً على إثراء التجربة السياحية والترفيهية والرياضية في المملكة، ولم يكن كذلك مرتكزاً على ما تملكه المملكة من مقومات تاريخية وطبيعية فقط، إذ شهدنا خلال هذا العام حراكاً ثقافياً وفنياً متنوعاً، أشرفت عليه وزارة الثقافة كونها ضمن الجهات المشاركة في تفعيل ونجاح المواسم الأحد عشر، وغني عن القول في أن الثقافة والفن وإن كانوا من أهم الموارد والمكونات الحضارية التي تعكس التراث والتاريخ والثقافة للوطن إلا أنهما أيضاً مورد اقتصادي فعال إذ ما تم توظيفها بنجاح، وبالوقوف عند ما تم تقديمه من فعاليات ثقافية خلال هذا العام في "مواسم المملكة". نتساءل عن هذا الحراك ومدى تفاعل الجمهور معه وعن مدى نجاحنا في تقديم ونقل الثقافة السعودية للزوار الأجانب، وما الذي نتطلع لهُ في قادم الأعوام في الجانب الثقافي."نمطية الترفيه" بداية تحدث الكاتب والروائي محمد المزيني عن نجاح «مواسم المملكة» في تغيير نمطية الترفيه بالنسبة للمجتمع السعودي الذي لم يكن يعهد كل هذه الفعاليات التي قدمت خلال هذا العام، وبالتالي كسر نمطية هذه الفعاليات أثمرت عن تغيير في ذائقة الناس وفي تغيير مفهوم الترفيه لديهم وهذا مهم جداً، إذ لم يعد المواطن يخضع لرؤية واحدة للترفيه إنما بين يديه كل الخيارات والاحتمالات حتى تلك المستبعدة في يوم من الأيام، مشيراً إلى أننا الآن في الرياض نشاهد فعاليات لم نكن نتوقع إقامتها في يوم من الأيام ولكن الآن المواطن أصبح يرى الأشياء بشكل طبيعي ولم يعد لديه غضاضة أو تردد أو ممانعة أن يستقبل هذا التنوع وهذا الاختلاف الذي نعول عليه في تقديم ثقافتنا السعودية. فيما يرى المزيني أن الثقافات لها خصوصية تختلف عن الترفيه، إذ إن الترفيه هو ترفيه يدخل في عالمية الفرح وقضاء الأوقات في أشياء يشترك فيها كل العالم، لكن الثقافة في حد ذاتها عندما نذهب لأي دولة في العالم فإننا نرى الثقافة المحلية تجسد بشكل واضح فمثلاً لو ذهبنا إلى بريطانيا نرى مسرحية شكسبير حتى في الطرقات تقدم وعندما نذهب لفرنسا نرى احتفائية وذائقه لها نكهة فرنسية، ومن هنا نحتاج الآن أن نفكر في كيفية تقديم الثقافة السعودية بكل تنوعها من مسرح ومن فن ومن فلكلور حتى في الأدبيات السعودية كالشعر والرواية نحتاج أن نقدمها للعالم الذي نحن موعودون بقدومه والذي سيأتي من خلال حزمة الأنشطة الترفيهية والسياحية التي ستقدم مستقبلاً وخاصة بعد أن أتيح للسائح الأجنبي أن يصل للمملكة من خلال تأشيرة السياحة، مؤكداً أن هذه فرصة ثمينة لأن نقدم ثقافتنا العريقة جداً وهي حق ثقافة تختلف عن كل ثقافات العالم، كونها استطاعت أن تكون ثقافة أممية من خلال الشعر العربي القديم الذي خرج من الجزيرة العربية ومن خلال المصنفات والمرويات القديمة. وأوضح المزيني أن العالم الغربي يريد أن ينظر ويسمع هذه الثقافة المشبعة بزخم التاريخ كأن أن تقدم مثلاً على خشبة مسرح أو أستيج عالمي أو فيلم تستوحي فكرته من الثقافة العربية أو الشرق أوسطية، طالما أن لدينا شيئاً مختلفاً ومختلفاً جداً ونتميز به عن العالم الغربي، إضافة إلى أن لدينا ما يمكن أن يقدم بكل صوره لكن نحتاج أن نتوقف قليلاً ونغوص في عمقنا نحن، دون أن نخشى من شيء ونقدمه على طاولة البحث والانتقاء لننتقي أعمالنا وتاريخنا وثقافتنا الجيدة. «فضاء الفن» من جهته أكد أستاذ الأدب والنقد المساعد بجامعة حائل د. فهد البكر على أن مواسم المملكة فرصة سانحة لتفعيل المهرجانات الأدبية، والكرنفالات الثقافية التي يتطلع لها وطننا الغالي، فلم تعد تلك المواسم ترفيهية كما قد يظن البعض، بل أصبحت مواسم للإبداع والتألق، لا سيما إذا دخلت الثقافة، والفن إلى فضاءاتها؛ لهذا يمكن أن تكون تلك المواسم منصات للفن التفاعلي - إن جاز التعبير - كلما تضافرت مع الفن والثقافة. ولعلنا نلاحظ أن الأدب والفنون التشكيلية والسينما، أو العروض الأدائية والمسرحية تكاد تتضافر في تقديم شيء جميل يمكن أن يقدم على مائدة موسم ترفيهي. ويرى البكر بأنه انطلاقاً من الأدب الذي ينتمي إلى عائلة الفنون، ويتكور ضمن (دائرة الفنون السبعة) التي رسمها الفرنسي (إيتيان سوريو) فإنه ينبغي ألا يغيب عن القائمين على مواسم السعودية، لا سيما أن تلك الدائرة تضم إلى حلقاتها بالإضافة إلى الأدب (السينما، والنحت، والرسم، والتلوين، والضوء، وغيرها) هذا إذا غضضنا الطرف عن الأدب التفاعلي الذي يمكن تفعيله وتوظيفه في خدمة تلك المواسم. ويتابع بقوله بأنه ينبغي ألا يقتصر الأمر على إقامة أمسيات شعرية فصيحة، أو أمسيات قصصية قصيرة، بل نتطلع إلى أن يتضافر السرد في خدمة العروض الأدائية؛ بمعنى أن نشاهد عروضاً مرئية قصيرة على المسارح الحائلية التي تتجاوز الخمسة مسارح في المنطقة حسب علمي المتواضع، ومن هنا نستطيع القول: إن موسم حائل سيكون فرصة مناسبة لإحياء الجانب المسرحي الذي ما زال خافتاً في المنطقة، وأعتقد جازماً أن الأدب لن يقصر في خدمة هذا الجانب، إذا ما اغتُنم الاغتنام الأمثل، ووظف التوظيف السليم، وأتيحت له الفرص المناسبة. فيما يقترح إحياء الليالي الأدبية والثقافية في الشوارع، أو في ردهات المعارض، أو الحدائق، أو حتى المتنزهات البرية الحائلية ذات المناظر الطبيعية الخلابة، والأجواء الرائعة، معتبرها فرصة لخلق موسم ثقافي، وربط الموسم بالفن والثقافة، وربما كان هذا الأمر أحد أهم أسباب النجاح، ومؤشرات التميز، وقد يفتح الباب لمواسم أخرى داخل الموسم نفسه، إذا ربما انبثق عن هذه المواسم مهرجانات أدبية، وكرنفالات ثقافية، وفنية لاحقاً، وعندئذ قد نرى موسم الرياض الأدبي داخل موسم الرياض، وموسم حائل الشعري مثلاً داخل موسم حائل، وموسم الشرقية الثقافي داخل موسم الشرقية؛ عندها قد يتميز كل موسم بصبغته الفنية، فتصبح مواسم السعودية كدائرة الفنون السبعة في تكاملها، وتفاعلها. «التنوع الثقافي» وأضاف الكاتب الصحفي ضيف الله الحربي بقوله: ونحن على مشارف ختام مواسم المملكة مع مسك الختام (موسم الرياض) والذي أعده تظاهرة ثقافية وترفيهية نوعية ليس فقط على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى الإقليمي، نؤكد أن ثمة حراكاً ثقافياً لافتاً للنظر سواء من خلال الأمسيات الشعرية أو الندوات التي تُقام على هامش تلك المهرجانات والتي لم نعهدها خلال السنوات الماضية، وحتى نكون مُنصفين هناك أثر ثقافي بارز ومتنوع ولكن ما زال دون المأمول لا سيما أن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون لم يكن لها ذلك الدور المأمول وأظن أن السبب في ذلك عدم إشراكها ضمن المؤسسات المعنية بالتنظيم والتخطيط لمواسم المملكة. مشيراً إلى أن الثقافة أفق واسع ومجالات متعددة لا تقتصر على أمسية شعرية أو ندوة أدبية أو مسرحية يتيمة خلال الموسم بأكمله، فمثلاً المهتم بالشأن الثقافي يُريد مناشط تُلامس احتياجاته وفاقته الثقافية، والمبدع يُريد فرصة لتقديم إبداعه على الملأ في كافة المجالات الثقافية الشعر والكتابة والمسرح والفن، بل يرغب أن يكون شريكًا في مثل هذه المواسم، نحن لدينا مواهب إبداعية هائلة قدمتها لنا مواقع التواصل الاجتماعي من أبناء هذا البلد تُغنينا عن استيراد الفنانين المعروفين من خارج المملكة، ولا بأس من تطعيم المهرجانات بفنانين عرب معروفين ولكن كم أتمنى أن تكون مواسم السعودية فنون وثقافة ومسرح يُقدّم بأيدٍ سعودية لنصنع ثقافتنا بأنفسنا. «تحقيق الطموح» ومن جانبه يرى الفنان التشكيلي والمدير السابق للجمعية السعودية للفنون التشكيلية بجدة نهار مرزوق بأنهُ لكي يكون النجاح كما خُطط له كان يحتاج ويضطلع بمهمة تحقيق الطموح المتجدّد لدبلوماسية التأثير لزوارنا في المواسم.. وتعزيز الحوار مع الثقافات الأجنبية من خلال اتباع نهج مشاركتهم معنا والشراكة كما حصل في طلب فرق مسرحية كان يحتاج شراكة في الفن التشكيلي وليالي شعرية وأدبية. مشيراً إلى أن الورش التشكيلية كان لها تفاعل مع الكبار والصغار من الزوار. وذكر بأن الزائرين لمواسم جدة وأبها والآن الرياض لاحظوا كم الإقبال الضخم على متابعة نجوم هذا الفن وخصوصاً مع تواجد الشريحة الأكبر من شباب وشابات السعودية الذين أثرو المواسم وأعطوا انطباعاً لمنافستهم ومستواهم التشكيلي والثقافي الفريد. ومن هنا نؤكد للقيّمين على المشروعات الثقافية مفاتيح استثمار بعمل شراكات مع مؤسسات الفنون والثقافة في الدول المجاورة. فيبادر الفنانون ووزارة الثقافة يداً بيد بهذه المشروعات لكي يتولاها مباشرةً فنانون وفرق فنية تشكيلية وثقافية، أو شركاء أجانب من خلال الدعوة إلى تقديم مشروعات استثمار للفنون ومزادات الفن في العالم والشرق الأوسط على سبيل المثال ووفق تصنيف موسمنا الثقافي والتشكيلي بحسب القطاعات (العروض الحية، والفنون البصرية، والنقاشات الفكرية، والثقافة العلمية والتقنية، إلخ). فقط نحتاج ورش لتقديم هذه الأوراق على طاولة التخطيط للموسم القادم. «إبراز الهوية» وأشار مدير العلاقات العامة والإعلام بجمعية الثقافة والفنون في جدة محمد الرايقي بأن الحراك الثقافي على مختلف الصعد في هذا الموسم كبير جداً ومميز من خلال التنوع في البرامج المقدمة للمتلقي، مضيفاً أن التقصير إن وجد فربما يكون في طرح البرامج التي تهتم بتنمية الثقافة الأدبية من قصة ورواية وإبراز الجانب التاريخي السعودي للزائر من داخل المملكة وخارجها فتاريخنا هو هويتنا التي نفتخر ونفاخر بها بين الأمم. موضحاُ بأن ما تم تقديمه للأسف لم نرَ فيه إبرازاً للثقافة السعودية وإن وجدت بعض الفعاليات التي تسعى لإبراز الثقافة ولكن لم يواكبها دعم إعلامي يوصلها للمتلقي لأن الإعلان والإعلام بجميع وسائله كان تركيزه على الحفلات الغنائية فقط. مضيفاً أن المسرح أبو الفنون ولكنه لدينا متوفى دماغياً والأماكن التاريخية تعد أحد روافد دعم الاقتصادات في جميع دول العالم إلا عندنا فنحن متجاهلون هذا الرافد ربما جهلاً أو عدم إجادة تسويق لمواقعنا التراثية. التركيز على إبراز ثقافة المملكة ولنا في مبادرة المملكة بين الأمس واليوم والذي تم تنفيذه قبل سنوات وتنقل بين جميع دول العالم كان له أثر كبير في تعريف الشعوب الأخرى بتاريخ وثقافة المملكة. محمد المزيني: خلقت التنوع الثقافي ضيف الله الحربي: قدمت المواهب الإبداعية نهار مرزوق: سبيل للحوار العالمي فهد البكر: غذت المهرجانات الأدبية محمد الرايقي: أبرزت هويتنا الوطنية