إن تركيا في طريقها إلى الهاوية إن استمرت في سياساتها المتطرفة التي جعلت شعوب ودول المنطقة تبتعد عنها سياسياً وسياحياً واجتماعياً، وتتوقف عن التعامل معها اقتصادياً ومالياً ومادياً، وتتخوف من تدخلاتها المزعزعة لأمن وسلم واستقرار مجتمعاتها.. وهل فقدت تركيا صوابها لتسير نحو الهاوية؟ أم أن هذا الطرح يغلب عليه المبالغة؟ وإن كانت فعلاً فقدت صوابها، فما مؤشرات هذه التوجهات غير العقلانية وغير الرشيدة التي تقودها نحو الهاوية؟ وما المدى الذي يمكن أن تستغرقه رحلتها نحو الهاوية؟ تساؤلات تفرضها الحالة الراهنة للسياسة التركية التي ابتعدت بها كثيراً عن مرحلة الحسابات العقلانية والمنطقية القائمة على اتخاذ القرارات الرشيدة إلى مرحلة أخرى من السلوكيات والممارسات السياسية المتطرفة القائمة على اتخاذ قرارات شعبوية يغلب عليها خدمة المصالح الحزبية الضيقة وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الشخصية لصانع القرار في الدولة التركية. وهذه الحالة غير المتزنة التي تعيشها وتمر بها السياسة التركية في وقتنا الحاضر ظاهرة ويمكن ملاحظتها ودراستها ومعرفة توجهاتها والتنبؤ بما يمكن أن تكون تركيا في المستقبل القريب إن استمرت على سياساتها المتطرفة في المنطقة. فالسياسة التركية التي كانت في العقود الماضية تتسم بالعقلانية في إدارتها لسياستها الخارجية، ما جعلها دولة صديقة لمعظم دول المنطقة، أصبحت تتسم بالتطرف خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، ما جعلها دولة معادية لمعظم دول المنطقة. هذا الانقلاب الكبير في التوجهات السياسية التركية جاء بسبب التوجهات الفكرية والأيديولوجية لقائد حزب العدالة والتنمية أردوغان الذي كان رئيساً للوزراء وبعدها رئيساً لتركيا. فهذه التوجهات المتطرفة تسببت في استنزاف الدولة التركية سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً وتجارياً واستثمارياً واجتماعياً وثقافياً. فغياب العقلانية السياسية جعل تركيا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصة في مصر. فتحت تأثير التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة، عارضت تركيا النظام السياسي القائم في مصر، وتبنت دعم وتأييد جماعة الإخوان المصنفة بأنها جماعة إرهابية في مصر وفي بعض الدول العربية. هذا التوجه السياسي المُتطرف جعل غالبية الدول العربية، وخاصة المعتدلة سياسياً، تشكك بنيات السياسة التركية تجاهها خاصة بعد استمرار التصريحات المعادية الموجهة للنظام السياسي المصري، ومواصلة دعمها وتأييدها وإيوائها لعناصر جماعة الإخوان وإعلامهم المتطرف. فهذه السياسة التركية أظهرت النيات الهدامة والتوجهات المتطرفة تجاه الدول العربية المستقرة، وساهمت في توعية الرأي العام تجاه السياسة التركية المعادية. وأيضاً تحت تأثير التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة، تدخلت تركيا سياسياً وأمنياً وعسكرياً ومالياً في شؤون ليبيا الداخلية، ما زاد حالة التوتر السياسي وضاعف حالة عدم الاستقرار الأمني وأدى لفقدان الكثير من الأرواح البريئة بسبب التدخل العسكري التركي المباشر وغير المباشر. فهذا التدخل التركي الذي ضاعف حالة الانقسام السياسي داخل ليبيا أضر جميع الشعوب والدول العربية المتطلعة لاستقرار ليبيا، وكذلك يساهم في جعل ليبيا مكاناً مناسباً للتنظيمات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار ليبيا وغيرها من دول عربية محيطة بليبيا، وخاصة مصر التي تعمل تركيا على استهدفها وزعزعة أمنها واستقرارها. وأيضاً تحت تأثير التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة تدخلت تركيا في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية سياسياً وعسكرياً وأمنياً من خلال بناء قاعدة عسكرية في قطر، حيث أصبحت تشكل تهديداً مباشر لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي. وأيضاً تحت تأثير التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة عملت السياسة التركية على التدخل المباشر في الشؤون العربية لتحقيق أحلامها التوسعية سواء من خلال بناء قواعد عسكرية كما في الصومال، أو بعقد اتفاقيات كما عملت مع السودان. فجميع هذه التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة التي مارستها تركيا سياسياً وعسكرياً وأمنياً جعلت معظم الشعوب والدول العربية تقرر إعادة النظر في طريقة تعاملها مع السياسة التركية التي أصبحت تثير الريبة والشك. كذلك تحت تأثير التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة، عملت تركيا خلال الخمسة عشر عاماً الماضية على توظيف الإسلام لتحقيق مكاسب سياسية لدى عامة المسلمين، ما جعل الدول غير الإسلامية، وخاصة الصين والهند والدول الأوروبية، تخشى من تأثير هذه اللغة الشعبوية والخطابات العاطفية التي يستخدمها النظام السياسي التركي على حالة الأمن والسلم والاستقرار فيها. فمثل هذه التصرفات المتطرفة من الطبيعي أن تثير لدى تلك الدول الريبة والشك من السياسة التركية وتتساءل عن أهدافها وغاياتها. وأيضاً تحت تأثير التوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة، أقدمت السياسة التركية على استفزاز الولاياتالمتحدة بشرائها أسلحة روسية بالرغم من المعارضة الأميركية الصريحة، وكذلك أقدمت على استفزاز روسيا بتوقيعها على عدد من اتفاقيات التعاون في مجالات الدفاع مع أوكرانيا. فمثل هذه التصرفات غير الرشيدة تجعل تركيا في مواجهة مباشرة مع القوى الدولية، ما يؤثر بشكل مباشر على مكانتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. فإذا أضفنا إلى هذه السياسات المتطرفة التي يقوم بها النظام التركي، العبء السياسي والأمني والعسكري الناتج عن تدخله في سورية والممارسات الوحشية للجيش التركي تجاه المدنيين السوريين، فإننا سنصبح أمام حالة سياسية تفرض على الدول إعادة نظرها في تعاملاتها مع النظام التركي الحالي الذي فقد العقلانية في قراراته وتوجهاته. هذه السياسة التركية المتطرفة التي توسعت كثيراً في تدخلاتها الخارجية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً ومالياً، وتبنت دعم وتمويل العناصر والجماعات والتنظيمات الإرهابية مالياً وإعلامياً، وأرسلت المرتزقة والمأجورين إلى مناطق الصراع لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية، وتدخلت سياسياً وعسكرياً ومالياً في الأزمة القائمة بين أذربيجان وأرمينيا، وعملت على دعم وتمويل المرتزقة والعملاء والخونة والخارجين على القانون والهاربين من دولهم، جعلت من تركيا دولة معزولة سياسياً ومنبوذة شعبياً ومرهقة مالياً ومتراجعة اقتصادياً وغير مستقرة اجتماعياً. فالتوجهات الفكرية والأيديولوجية المتطرفة التي يتبناها النظام السياسي بقيادة حزب العدالة والتنمية أكبر بكثير من أن يتحمل تبعاتها المالية، والاقتصاد التركي الذي بدأت آثاره تظهر جلية على سعر العملة التركية. فإذا كان هذا مؤشراً ظاهراً وبسيطاً للآثار السلبية الناتجة عن سوء التوجهات السياسية التركية، فإن هناك مؤشرات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية أكثر خطورة يمكن أن يؤدي تفاقمها إلى نتائج خطيرة جداً تؤثر على أمن واستقرار تركيا في المستقبل المنظور. وفي الختام من الأهمية القول: إن تركيا في طريقها إلى الهاوية إن استمرت في سياساتها المتطرفة التي جعلت شعوب ودول المنطقة تبتعد عنها سياسياً وسياحياً واجتماعياً، وتتوقف عن التعامل معها اقتصادياً ومالياً ومادياً، وتتخوف من تدخلاتها المزعزعة لأمن وسلم واستقرار مجتمعاتها. فإما أن تستمر في سيرها المتسارع نحو الهاوية، أو أن تعود إلى رشدها وتعرف حقيقة حجمها وقدراتها وإمكاناتها، وتستيقظ من أحلامها وأطماعها التوسعية التي لن تتحقق إطلاقاً.