ارتسمت ملامح الفن التشكيلي بالمملكة العربية السعودية في بدايات الخمسينات من القرن الماضي خلال إقامة بعض المعارض الشخصية والجماعية، ومنذ ذلك الحين اكتسب المشهد التشكيلي السعودي تنوعا يميل للتميز عن المحيط الخليجي، ويعود ذلك للمخزون الثقافي والحضاري في السعودية ذات المساحة المترامية الأطراف، ولما تحمله من إرث فلكلوري متعدد، وتضاريس طبيعية متنوعة تلهم الفنانين وتدفعهم للإبداع. ويعتبر الفنان التشكيلي السعودي الراحل سعد بن عبدالله العبيّد - رحمه الله - إحدى ثمرات هذه الأرض الطيبة، وهو من جيل الأوائل للحراك التشكيلي السعودي، الذين أخذوا على عاتقهم خدمة وتأسيس الحركة التشكيلية السعودية بشقيها التنظيمي والإبداعي. تمكن العبيد خلال مسيرته الفنية التي امتدت لما يزيد على 50 عاما، من البحث والتنقل بين مدارس الفن التشكيلي عابرا كالرياح العابرة، بل كان أشبه بالإعصار الذهني المزمجر في بحور الألوان وتجسيداته، فبانت معالم أمواجه على شاطئ المدارس الفنية، وأنتج لنا من وجهة نظري مدرسة عربية جديدة تجلت من قلب صحراء جزيرة العرب، يفخر بها الحاضر قبل المستقبل وهي "المدرسة الطيفية" التي لم تأتِ مصادفة أو ضربا من ضروب الحظ، بقدر ماكانت نتاج عمل دؤوب امتزج بين القدرة الفنية والبحث المعرفي والتأمل البصري، فكان العبيد كالبحّار مسافرا في محيطات الألوان، يتفحص بحور السريالية ويتزود من أعماق الواقعية ويرسو في موانئ الانطباعية ويغفو على أنغام الرمزية، وعندما يتوه بين ناطحات الأمواج يرمق السماء مرتجيا خالقها الخلاص تارة، وتارة أخرى يتفكر في معالمها؛ فالتفكر والتأمل هاجس العبيدي في تجليات ذاته الأخرى في تفحصه الأشياء والبحث باللامرئي، سواء كان بكينونة الشمس حين تجتاح السماء بعد المساء، أو بتشكيلات الغيوم حين يرسمها الهواء. جُل تلك المحطات والوصوف نجدها حاضرة في لوحات العبيد التي جسدها بفرشاة أفكاره متحرراً من هيمنة عقله الباطن، الذي لطالما كان يؤدلج الكثير من الفنانين من حيث لا يعلمون ليراوحوا مكانهم على مر السنين، بيد أن العبيد يرتكز بلوحاته على مخزونه المعرفي، الذي استقاه من بين دفتي كتب قد تزاحمت على رفوف مكتبته ليرتشف المتلقي بعينيه معالم الأفكار متجانسة مع رشاقة طيف الألوان، حين ينساب إلى صخور الأرض من سحاب المطر كنوته موسيقية عنوانها "المدرسة الطيفية". الراحل الفنان سعد العبيد