تمرّ مملكتنا بنقلة نوعية وخاصة في ما يخص تمكين المرأة، حيث مُنحت المرأة اليوم الوكالة على قراراتها من سفر ودراسة وتعليم وغيرها من أمور الحياة، فمنّا من تنفّس الصعداء في الماضي وبات مرتاحًا اليوم والبعض منّا يقف مذهولًا يتساءل ما المُتغيّر؟ إلّا أن الحقيقة هي أن القرارات المتعلّقة بتمكين المرأة ليست طارئة بل هي من صلب تعاليمنا ومنطقنا الإسلامي. إن الصفة التي تميّز الإنسان عن سائر المخلوقات هي أنّه رُزق بعقل يفكّر فيه، وهذا العقل يعطي الإنسان القدرة على وزن الأمور. كما أنّ هذه الهبة تترتّب عليها مسؤولية، فيجب على الإنسان وزن الأمور واختيار ما يراه حق، بالتالي عندما رزق الله عز وجل الإنسان العقل أنعم على عباده ووهبهم حريّة الاختيار، ولعلّ أكبر امتحان يمر به الإنسان وأهم اختيار يقوم به هو الإيمان بالقوّة الإلهية والبحث عن الحق، قدرتنا على الاختيار بين الإيمان بالشيء أو عدم الإيمان به وبين عمل الشيء أو عدم عمله هي ما تفرّقنا عن الملائكة وغيرها من المخلوقات المجبولة أو المسخرة، وفي هذا التكليف والامتحان لم يفرّق الله بين المرأة والرجل، فكلاهما لديه الهبة الإلهية المتمثلة في العقل والقدرة على التمييز للوصول لهذه الغاية ولمعرفة الحق من الباطل، والأهم من ذلك أنّ هذا التكليف مبني على واقع حريّة الاختيار. الحريّة تترتّب عليها مسؤولية، فلكل خيار عواقب وجزاء. واقع هذه الحريّة هي ما يعطي غاية أو معنى للجزاء والحساب. فلن يكون هناك نقيضين مثل مسلم/كافر، عاصي/ مطيع، إذا لم يكن هناك خيار. وجعل سبحانه وتعالى بين المرأة والرجل مساواة في الجزاء والحساب، وذلك في الحدود الدنيوية مثل حد الزنا والسرقة وغيرها، وفي الجزاء والحساب في الآخرة. فقال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). فعند الحساب المرأة مثل الرجل ستتحمّل مسؤولية حياتها ومعتقداتها وأعمالها بالكامل وستنال جزاءها، لذا مثل الرجل يجب أن يكون لدى المرأة الوكالة على قراراتها، فهي التي ستتحمّل مسؤوليتها عند الحساب، فالأصل في الحق هو الاستقلالية بقرارتها، واذا وُجدت مسائل نصّت على عكس ذلك مثل زواج البِكر فهي الاستثناء وليست الأصل، فسلب المرأة الوكالة على قراراتها ينقص من حريّتها في الاختيار وحقّها الإنساني والإلهي، كما أنّه تنقيص من رشدها وقدرتها على الترجيح والتقدير وهي قدرة مقررة لها بواقع تكليفها.