مضى وقت طويل منذ أن توقفتُ عن الكتابة، ولا أعرف إن كنتُ نسيتها أو أنسيتها، لكن ما أنا على يقين منه أنني فقدتُ لياقتي، فضلًا عن أن ما حدث ويحدث على الساحة في الآونة الأخيرة، وبهذه السرعة الجنونية، يجعلني أقرّ بملء إرادتي أن هذا الزمن لا أشبهه ولا يشبهني، خاصة أنني قد طويت أردية الستين بمزقها، وأسمالها، بنظيفها، ومتسخها، بسوادها، وبياضها، بفرحها، وأتراحها، طويتها وراء ظهري، ككومة من القش، وحين استنكرتُ ما أنا فيه، وعدتُ إليها علّني أجد بين طياتها ما يسليني، وما يمكن أن أرويه لنفسي لأتدلّه به، اكتشفتُ أن خير ما يمثلها هو عنوان غازي الشهير "رجلٌ جاء وذهب" بمعناه السطحي، هكذا وحسب، دون أن يكون في داخلها سوى الخواء، تماماً كعصا القصب الجاف، الذي لا يمكن عمرانه إلا بفراغه حين يتحوّل إلى ناي لا يحمل عدا أنات الحزن والأشجان، يصوغها إلى نغم موجع طالما ظلّ هو العنوان الأبرز لذائقتنا العربية ابتداءً من الهجيني النجدي، وانتهاءً بالعتابا العراقي. هل أبدو كئيبًا، أو متشائمًا؟ ربما في الظاهر.. هل سقطتُ في تلك الهوة الفاصلة ما بين زمنين؟، زمن ما كاد يبوح بأسراره إلا نادرًا وبأداة واحدة فقط هي التلصص المؤذي، وزمنٌ ما عاد يحفظ شيئًا من أسراره، حيث وظّف السناب شات والإنستغرام وتويتر وسواها كأفخاخ لاصطياد الإعلان، فحطّم بها الأسوار، والأسرار، ووصل إلى غرف النوم، حتى وجبة الأكل صارت موضعًا للإعلان، فضلًا عن تفاصيل الحياة اليومية الخاصة، ووصولاً إلى السباق في حلبة الشهرة، ولو بإراقة ماء الوجه، وتبني التفاهة، وعدم التحرز من الظهور للملأ ولو بالملابس الداخلية القذرة، بعد أن رجحت كفة ثمن الإعلان على كفة ما كان يسمى القيم! أعرف أن ثمة من سيأخذه هذا الكلام إلى ملف التخلف، التهمة الأكثر جهوزية لكل من لا يذعن لصرعات الغرب ونزواتهم، وهذا لا يُضيرني، لكني كنتُ أتوهم أننا نمتلك ثقافة قادرة على أن تقدمنا للآخرين، أما الآن فأنا بانتظار غزو "التاتو"!!