كانت ومازالت «قهوة البن» تثير الجدل منذ العصور الأولى، وهي التي كانت محرمة تحريما استمر لمدة 60 عاما في القرن العاشر الهجري، وكان يحكم فيها بحد الخمر، فيحكم بجلد شاربها وجالبها وطابخها، ولعل تسمية القهوة ذلك الاسم القديم الذي كان يطلق على الخمر، وهو الأمر الذي قاد الشعر الذي دار حولها إلى الحقل الدلالي لمعجم الخمريات، وقادت التسمية أيضا فقهاء ذلك العصر إلى تحريم شربها وحد شاربها حد الخمر.. القهوة التي تحمل الرمزية والدلالات الكثيرة، والتي تحولت لمفاهيم كثيرة إلى عصرنا الحاضر أصبحت عند العرب ذات قيمة اجتماعية حتى في صبها وتقديمها الذي يرتبط بأهمية ومكانة وقيمة المقدمة إليه في المجلس وهي تقدم احتفاء بالضيوف.. والأهم من الضيوف يأتي الرجل الكريم هو الذي يقدم على الجميع بشرب القهوة وتساق إليه تكريما لأهميته ومكانته وقيمته الاجتماعية، وكذلك الرجل الفارس وعقيد القوم وشيخ القبيلة.. فلتقديمها عند أبناء الجزيرة العربية بروتوكولات خاصة ودلالات محددة، وفي ذلك قصص كثيرة، وأبيات شعرية تؤكد ذلك.. وتغنى الشعراء العرب قديما بالقهوة وبالكيف وبالخمرة، وفي عصرنا الحاضر يتغنى الشعراء بقهوة البن، ولاتزال تكتب فيها القصائد، حيث يقول الشاعر محمود درويش: القهوة لا تُشرَب على عجل. القهوة أُختُ الوقت. تُحتَسى على مهل.. على مهل.. القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة. القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات. ويقول: «لا قهوة تشبه قهوة أخرى. ودفاعي عن القهوة هو دفاع عن خصوصية الفارِق. ليس هنالك مذاق اسمه مذاق القهوة، فالقهوة ليستْ مفهوما وليست مادة واحدة، وليست مطلقا. لكل شخص قهوته الخاصة، الخاصة إلى حدّ أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بمذاق قهوته»، إلى أن يقول متغزلا بالقهوة: هي ضدُّ الفطام. ثدي يُرضع الرجال بعيدا. صياحٌ مولود من مذاق مُرّ، حليب الرجولة، والقهوة جغرافيا. أما الناقد الدكتور سعيد السريحي، فتناول القهوة في كتاب مهم حمل اسم: غواية الاسم: سيرة القهوة وخطاب التحريم يأتي فيها على تفسير ما بقي مخبوءا من تاريخ القهوة، وبما يحيط بها من تناقضات تبدأ بتنزيلها منزلة جليلة في المجالس، وتنتهي إلى ما كان يشوب المقاهي التي خلت منها، رغم أنها تحمل اسمها، من عيب يحمل تجنب الجلوس فيها. ويتحدث عن تقاطع الأنساق الثقافية والدينية والاجتماعية والتاريخية والتي جعلت من القهوة مصطرعا لسلم من القيم والعادات التي تحكم مسار الحياة اليومية ويحرص عليها الناس، دون أن يكونوا على وعي تام بالظروف والملابسات التي تكمن وراء القيم والعادات.