منذ العصور القديمة والبشرية في حراك مستمر لاستكشاف الأرض ومكوناتها بطرق مختلفة، واستخدم الإنسان عناصر البيئة المتوفرة على سطح الأرض مثل الصخور والأشجار والطين وغيرها ليصنع منها أدوات للمعيشة والسكن، ومع تراكم المعرفة الإنسانية وزيادة هذه الخبرات، تمكن الإنسان من صناعة أجهزة مختلفة استنبطها من المكونات الطبيعية التي حصل عليها من سطح وباطن الأرض بعد أن تعرف على خصائص كل عنصر تكويني في باطن الأرض والبحر، ثم انتقل إلى استكشاف مكونات الغلاف الجوي والفضائي من أجل بلوغ ازدهار وتطور البشرية في كافة المجالات. وحيث إن المستلزمات التي تمت صناعتها في القدم تعد نوع من الاكتشافات العلمية في ذلك الزمن مثل أدوات النقل والبناء والمعيشة، فإن هذه الاكتشافات امتدت وتطورت من الذرة في صلب الأرض وحتى وصلت إلى أسطح وباطن الأقمار والكواكب في الفضاء الخارجي. فعلى سبيل المثال: في السابق يستخدم العنصر البشري في الرحلات الاستكشافية لسطح الأرض أدوات لتقفي الأثر للبحث عن موارد معيشية، ومع التطور تم استخدام أجهزة تقنية للبحث عما هو في باطن جوف الأرض وتحليله وإعادة تصنيعه. وامتداداً لهذا التطور فقد تمت معرفة المكونات التكوينية لبعض الكواكب والأقمار وتصويرها عن طريق أجهزة الاستشعار عن بعد والموجات الكهرومغناطيسية وأجهزة تحكم عن بعد للهبوط على سطح الكواكب والأقمار. ويأتي ذلك لأن استكشاف عناصر التكوين الداخلي والخارجي للكواكب والأقمار أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا العلمية المهمة والتي تغذي جميع المجالات العلمية وهدف لزيادة البحث والتطوير المعرفي بالفضاء. ومن هنا فإن المملكة العربية السعودية من خلال فهمها ورؤيتها للمشاركة في هذا الإسهام العلمي لاستكشاف الفضاء تسعى عن طريق الهيئة السعودية للفضاء، وقبل ذلك من خلال مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، للتعاون والمشاركة مع وكالات الفضاء الدولية في الأدوات والبحوث والدراسات العلمية للعمل المشترك في مهمات استكشاف الفضاء الخارجي، والسعي لكل ما فيه ازدهار وتطوير للبشرية، فقد شاركت المملكة في أحد هذه المهمات الاستكشافية، ممثلة بمدينة الملك عبدالعزيز، وهي مهمة وكالة الفضاء الصينية لرحلة اسكتشاف القمر (تشانغ إي 4) التي انطلقت في 20 مايو 2018. وتم التقاط مجموعة من الصور ومن ضمنها الصور الموضحة للأرض والقمر معاً، باستخدام النظام السعودي للاستشعار عن بعد، والمتواجد في القمر الصناعي (لونق جيانق)، إضافة إلى تصوير الكرة الأرضية وفوهات عدة من سطح القمر والتي من ضمنها فوهة (ويجينيرا). ومن بين الأمثلة التي تبرز حصيلة المعلومات التي تم التوصل إليها عبر المهمات العلمية في الفضاء، استكشاف وجود مياه في المريخ، والقمر، والتيتان (أحد أقمار كوكب المشتري)، ومعرفة أن الماء في بعضه يكون في صورة ثلجية، والآخر يكون سائلا، وبالتالي فإن البحث عن مكونات عضوية في الكواكب والأقمار مازالت مستمرة، ولها أهمية فائقة في المستقبل، ولهذا قامت ومازالت فرق علمية من عدة دول بالعمل على إرسال مهمات مختلفة للوصول إلى كوكب المريخ لجمع معلومات كافية تمهيدًا لإرسال رواد فضاء إلى المريخ. ومن ضمن هذه المهمات التي بدأت مسبقاً ومازالت هي إرسال (الروفر Rover )، وهو جهاز تحكم عن بعد يقوم بدراسة المناخ وعناصر المواد المكونة للكواكب والأقمار عبر عدة أدوات قياس وكاميرات ومختبر صغير موجود بداخلها، ومن هنا، فإن المشاركة في هذه الاستكشافات والاكتشافات العلمية في الفضاء الخارجي تزيد مجتمعنا فهمًا للكون الذي ننتمي إليه ونعيش فيه، وفهم والوعي بمكونات الفضاء الخارجي، وهي عوامل تمكننا كذلك من سنة التفكر في مخلوقات الله وتبرز لنا عظمة الخالق سبحانه في خلقه. في المقال القادم، سأقوم بالحديث عن إحدى الوسائل التقنية التي تستخدم لجمع البيانات، وهي (الروفر Rover) وسوف أعرض نبذه عن تاريخها وكيفية هبوطها وعملها وفوائدها العلمية، إضافة إلى استعراض مهماتها التي قامت بها وآخر استخدام لها حالياً، وكيفية تطورها والإضافات التي أدخلت عليها استمرارية مهمات البحث والتطوير في الفضاء. باحث استراتيجي - الهيئة السعودية للفضاء* م. حامد إدريس *