فتنت البشرية بظاهرة وجود كائنات حية ومخلوقات من كواكب اخرى منذ اكثر من قرن، وبالأحرى منذ اكتشاف التليسكوب. واستحوذت فكرة وجود حياة فوق سطح المريخ، ذلك الكوكب الاحمر، على عقول كثيرين وألهمت كبار الكتاب والمؤلفين والسينمائيين. واكبر دليل على افتتان الانسان بهذه الظاهرة النجاح الهائل الذي تلقاه الافلام السينمائية التي تتناول هذا الموضوع مثل "حرب النجوم" و "حرب الكواكب" و "آلينز" و "إي. تي" و "لقاء حميم من النوع الثالث" وأخيراً "يوم الاستقلال" والمسلسلات التلفزيونية الشعبية مثل "أكس فايلز" و "ستارك تريك" وغيرهما. وكان الاهتمام بهذه الظاهرة ازداد اثر حادثة "روزويل" الشهيرة التي كشفت احتمال وجود مخلوقات غريبة قادمة من كوكب آخر هبطت بواسطة صحن طائر تعرض لحادث مفاجئ في نيومكسيكو عام 1947. وصور فيلم مشكوك في صحته يظهر عملية تشريح جثث تلك المخلوقات. وأدى اعلان وكالة الفضاء الاميركية ناسا احتمال اكتشاف شكل من اشكال الحياة على كوكب المريخ الى احياء مخيلة الناس وتحفيزهم مجدداً وبقوة على متابعة اخبار الفضاء وما يمكن ان تخبئه لهم الكواكب من اسرار وأخطار. كذلك ساهم تدخل الرئيس بيل كلينتون واعلانه العزم على دعم الابحاث والرحلات الفضائية والاستكشافية المقبلة بكل الطاقات الممكنة، في اعطاء هذا الموضوع طابعاً رسمياً جاداً للمرة الاولى. وأكد استطلاع للرأي العام الاميركي ان 48 في المئة من السكان مقتنعون بوجود كائنات في كواكب اخرى. الاعلان... والأدلة اعلنت وكالة الفضاء الاميركية ناسا في صورة مفاجئة عبر كل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، ان فريقاً من علمائها وبعض المتخصصين في علوم الجيولوجيا والمعادن والكيمياء تمكنوا من العثور على أدلة غير قاطعة تشير الى احتمال وجود شكل من اشكال الحياة البدائية ذات الخلية الواحدة على سطح المريخ في بقايا نيزك سقط على سطح الارض قبل 13 ألف عام، بعدما سبح في الفضاء الخارجي طوال 16 مليون سنة. وكانت بعثة استكشاف اميركية عثرت على قطعة من الصخر زنتها 1.9 كلغ في منطقة آلن هيلز في القطب الجنوبي عام 1984. وتبين لها ان تلك الصخرة هي جزء من نيزك انفصل عن المريخ بعد اصطدام احد الكواكب السيارة به قبل 16 مليون سنة. وتحدث العلماء في مؤتمر صحافي عن اكتشافهم ادلة مبدئية على وجود جزيئات عضوية يدخل في تركيبها عنصر الكربون قد تكون تبلورت من صخور بركانية مصهورة على سطح المريخ قبل 4.5 مليار عام. وتبين لهم، بمقارنة التركيبة الكيميائية للنيزك والمعلومات التي تم الحصول عليها من رحلات "فايكنغ" السابقة قبل 20 عاماً، ان النيزك لا بد من ان يكون قادماً على الارجح من كوكب المريخ. كما بينت نتائج الفحوص والتحاليل الجيولوجية والمعدنية والكيميائية وجود اوجه تشابه عدة في التركيب الجيولوجي والكيميائي والعضوي بين قطعة النيزك واحفورات متحجرات موجودة على سطح الارض. وتشابهت المخلوقات الاحادية الخلية المتناهية الصغر داخل النيزك بالباكتيريا الموجودة على الارض. الأمر الذي يوحي باحتمال وجود حياة بدائية سابقة فوق سطح المريخ. ويؤكد علماء ناسا عدم امتلاكهم أدلة قاطعة وان المحتوى الكيميائي لا يزال غير واضح تماماً لأن ذلك يحتاج الى مزيد من الابحاث والتدقيق والى عينات اضافية لا بد من احضارها في رحلات لاحقة من المريخ. وكان فريق من العلماء البريطانيين يضم البروفسور كولن بيلينجر من الجامعة المفتوحة والدكتورة مونيكا غرادي وزوجها الدكتور إيان رايت من متحف التاريخ الطبيعي اول من اكتشف وجود جزيئات عضوية وكربونات داخل عينة من النيزك كانت في حوزتهم. وأشار العلماء الى ان المادة العضوية التي ترتكز على الكربون هي اساس متطلبات الحياة فوق الارض. وان الكربونات تنتجها البكتيريا عادة كما ثبت في تجارب ارضية عدة. واستبعدوا احتمال التلوث بمواد عضوية ارضية بعدما اثبت العلماء الاميركيون ان الكربونات هي من صلب النيزك وان تركيب العينة الكيميائي والمعدني والجوهري يعود الى صلب النيزك ولا علاقة للتلوث في بنيته. كما ان كثافة الجزيئات العضوية كانت أعلى داخل عينة النيزك مما يدل على انها من صلبه وليست وليدة التلوث. من جهة اخرى رجح العلماء الروس ان تكون الاكتشافات الاخيرة الخاصة بوجود حياة بدائية على سطح المريخ، واحدة من الفرضيات المحتملة. وان احتمال صحتها لا يلغي احتمال عدم صحتها ايضاً. واشار احد الاختصاصيين الى ان دراسة المريخ في الوقت الحالي لا يمكن ان تعطي تصوراً كاملاً عن حقيقة ذلك الكوكب اذ ان الدراسة الحالية تتم على مقاطع معينة فقط ولا يمكن بالتالي الاعتماد عليها لرسم صورة متكاملة. كما انه لا بد من ايجاد براهين تحدد مكان انشطار النيزك للتأكد من مصدره سواء كان المريخ نفسه او حزام كويكبه السيار. ولا يستبعد ان يكون بعض المواد او المركبات العضوية والمعدنية قد علق بالنيزك اثناء رحلته الطويلة الى الارض. العلم يطرح احتمالات كثيرة ان فكرة وجود حياة او معالم لحياة في واحد او اكثر من الكواكب المنتشرة في الكون ليست جديدة، كما ان الاعلان عن احتمال وجود حياة في المريخ رغم الجفاف والصقيع السائدين فيه ورد اعلامياً في شباط فبراير 1996 ولا يستبعد العلماء ان يكون في المريخ شكل من اشكال الحياة لا سيما وانه كان زاخراً بالمحيطات والبراكين الناشطة منذ اكثر من 3 مليارات عام وكان مناخه اقل قسوة مما هو عليه الآن. وعلى رغم الجفاف والبرد يمكن ان تتواجد فيه جراثيم تكيفت مع الاجواء المناخية وحفرت طريقها داخل تربة الكوكب لتكون قريبة من الدفء بجوار المنابع البركانية المرتفعة الحرارة بطريقة مشابهة للعضويات التي تعيش بالقرب من مصادر المياه الدافئة تحت سطح البحر على كوكب الارض. وهنا تكثر الاحتمالات الاخرى، فقد تكون هذه الجراثيم اكثر تطوراً وذكاء وقدرة مما عهدناه في جراثيم الارض. وقد تتواجد كائنات اخرى اكثر تكاملاً وتعقيداً وتقنية كلما توغلنا تحت سطح الكوكب. ومن المحتمل ان تكون هذه الكائنات قد كونت حضارة تختلف او تتشابه بحضارة الارض وربما تفوقت عليها بأوجه متعددة نجهلها لعجزنا عن اكتشافها. فالأرض ليست الكوكب الوحيد الذي يمكن ان تتوافر فيه العوامل الملائمة لبروز حياة بدائية كانت او متطورة. فهي مجرد كوكب من اصل مئات المليارات من النجوم والكواكب المنتشرة في الكون. ومن المؤكد ان تركيز العلماء على كوكب المريخ يعود الى قربه من الارض، ولو كان بوسع الانسان ان يستكشف النجوم والكواكب الاكثر بعداً لكان من المحتمل ايضاً ان يكتشف فيها حضارات متكاملة وكائنات حية اكثر تعقيداً وأكثر تطوراً منه. ومن يدري، فربما عاشت فيها او ما زالت تعيش فيها الديناصورات وحيوانات اشد غرابة وأكثر دهاء من المتوافر على الارض. ان اكتشاف حياة معينة او مظاهر منها فوق كوكب ما وربطها بوجود حضارة او حضارات قد يستغرق آلاف او ملايين او مليارات السنين. فالتطور العلمي للانسان على رغم سرعته ما زال في شرنقته مقارنة بعمر الكون وكواكبه ونجومه. ومن المؤكد ان الحضارات او الكائنات الحية الاخرى التي يحتمل وجودها خارج كوكب الارض، لا بد وان تسعى لاستكشافنا كما نسعى لاستكشافها، ويبقى الامل في ان ينجح احدنا في العثور على الآخر، وعندها يا سعدنا او يا وعدنا من المجهول. رحلات سابقة في الستينات والسبعينات، ما بين 1964 و1971، نجحت رحلات ومهمات "مارينر" في تصوير سطح المريخ ودرس الاجواء المريخية. كما صورت الاقمار المريخية وبرهنت على عدم صحة النظرية القائلة بأن سطح المريخ مشوه بأقنية اصطناعية، وتمكنت من احضار دلائل على وجود مياه سطحية. وفي منتصف السبعينات نجحت رحلات ومهمات "فايكنغ" في استكشاف المريخ بواسطة عربات مدارية وعربات ثابتة. وتمكنت من نقل صور عن سطح المريخ وأخذ عينات منه وتحليلها لدرس محتواها وامكان وجود دلائل على حياة فيها. كما درست التركيب الجوي للارصاد المريخية. ومع ان عربات "فايكنغ" لم تجد دلائل على آثار حياة في المريخ بقي العلماء متفائلين بامكان ايجاد دلائل في المستقبل. وقد وفرت التجارب التي انجزتها مهمات "فايكنغ" اوسع مجموعة من الصور الفريدة عن سطح المريخ وأجوائه، حيث ظهرت البراكين والحمم البركانية والسهول والجبال والحفر العميقة الشاسعة، ودلائل على وجود مياه سطحية. اضافة الى صور العواصف والغبار الموسمي وتغيرات الضغط وانتقال الغازات بين الاقطاب. غير ان التجارب البيولوجية لم تنجح في اثبات وجود حياة فيه. ... ورحلات لاحقة وكانت وكالة الفضاء الاميركية، قبل اعلان اكتشافها دلائل غير قاطعة على احتمال وجود حياة فوق كوكب المريخ، تخطط لارسال 10 مركبات فضائية خلال السنوات العشر المقبلة لمعرفة المزيد عن طبيعة الكوكب الأحمر. وما زالت هذه الخطط مجدولة على ان تبدأ الرحلة الاولى في تشرين الثاني نوفمبر من هذا العام، تحت اسم "معاين المريخ العالمي" ويتوقع وصول المركبة الى المريخ في ايلول سبتمبر 1997، وسيسند اليها القيام بست مهمات روبوتية ابتدائية وهي: 1- تصوير سطح المريخ وتحديد خصائصه الطبيعية من قريب ومن بعيد حتى يتمكن العلماء من درس التغيرات المناخية الحاصلة فوق سطحه وفي الاجواء المحيطة به، وذلك بواسطة آلة تصوير مدارية متطورة جداً. 2- درس تركيب الصخور والتربة والثلج والغبار الفضائي والغيوم عن طريق قياس اطياف الطاقة دون الحمراء الصادرة عنها، وذلك بواسطة جهاز مقياس الطيف بالارسال الحراري. 3- الحصول على وصف تفصيلي للتضاريس والسمات السطحية لكوكب المريخ بواسطة جهاز مداري لقياس الارتفاع بالليزر. وسيتيح هذا الجهاز فرصة لرسم خريطة طوبوغرافية للكوكب. 4- درس الاشارات اللاسلكية المرسلة الى كوكب الارض وقياس مدى زحزحة دوبلر لتحديد حقل الجاذبية في المريخ وخصائصه الفيزيائية. 5- درس احتمال وجود حقل مغنطيسي في المريخ وسبل اتجاهه اذا وجد، بواسطة مقياس شدة المجالات المغنطيسية، مع درس بقايا التمغنط القشري بواسطة مقياس الانعكاس الالكتروني. 6- اعادة ارسال الاشارات اللاسلكية والصور الملتقطة من المريخ عبر آلة التصوير المدارية الى المحطات الارضية لمساعدة العربات الفضائية التي يمكن ان تقوم بانزالها مهمات روسية وأوروبية وأميركية. وسيستغرق تنفيذ هذه المهمات وجمع المعلومات سنة مريخية من كانون الثاني يناير 1998 حتى كانون الاول ديسمبر 1999. اما الرحلة الروبوتية الثانية فيتوقع اطلاقها في كانون الاول 1996 تحت اسم "دليل المريخ" وينتظر وصولها الى الكوكب الاحمر في تموز يوليو 1997. وستكون مهمتها الاساسية انزال عربة متحركة وقاعدة ثابتة فوق سطح الكوكب، ثم درس أداء الاجهزة والاتصالات بين العربة والقاعدة والتقاط صور قريبة وبعيدة لتحديد طبيعة البيئة المريخية وخصائصها لمساعدة الرحلات الاستكشافية اللاحقة. وبرمجت المركبة الفضائية لتدخل اجواء المريخ من دون الحاجة الى الدوران حوله، وسيتم احتضانها بثلاثة ألواح شمسية مثلثة الشكل لحمايتها اثناء هبوطها على سطحه. وستنفتح هذه الألواح لحظة الهبوط للسماح للعربة المتحركة باستئناف عملية الاستكشاف. وتسير العربة المتحركة المسماة "سوجورنر" على 6 عجلات ويتم التحكم بها من الارض. وتجدر الاشارة الى ان المكان الذي ستهبط فيه عربة "دليل المريخ" فوق سطح الكوكب حدد سلفاً. ويأمل العلماء في ان تتمكن القاعدة الثابتة من نقل المعلومات الهندسية والعلمية التي التقطتها اثناء هبوطها، على ان يسجل جهاز التصوير الصور البانورامية لمنطقة الانزال ونقلها الى الارض. وستكون المهمة الاساسية للقاعدة الثابتة دعم العربة المتحركة فوق سطح المريخ، وذلك بنقل صور حية عن تحركات العربة وعملياتها والمعلومات التي تحصل عليها الى الارض. ويعتقد العلماء في وكالة ناسا بأن ارسال انسان الى المريخ قد يتحقق بحلول العام 2018، بعد القيام برحلات تحمل انساناً آلياً او حيوانات. حب الاطلاع والاخطار المحدقة ان غريزة حب الاستطلاع والسعي الى استكشاف المجهول امران مشروعان ومثمران اذا كانت الغاية منهما خدمة الانسان وتحسين اوضاعه. كما ان تخصيص موازنات ضخمة للأبحاث والدراسات الرامية الى دفع عجلة العلم والتكنولوجيا وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية على سبيل المثال، مسألة في غاية الاهمية تستحق العناية والتشجيع. اذ ان الاولوية في التخطيط يجب ان تعطى للانسان الموجود على الارض بدل توجيهها الى الكواكب الاخرى او البكتيريا التي تعيش فيها. فلمليارات الدولارات التي يمكن ان تضيع هباء لاحضار عينات تحمل معها جراثيم او فيروسات او كائنات حية مجهولة التركيب والاخطار من كوكب المريخ او غيره، يمكن تحويلها لمساعدة المحتاجين ودفع المساهمات والالتزامات المستحقة لمنظمة الأممالمتحدة. اما اذا كان الهدف الرئيسي من حماسة الادارة الاميركية اثبات وجود حياة فوق كوكب المريخ، هو للاستهلاك السياسي في مرحلة الاستعداد للانتخابات الاميركية، فان المسألة تصبح استهتاراً بالقيم وبأموال الدولة وسلامة المواطن. فقد اكتشفت احدى البعثات العلمية وجود كائنات مجهرية مثل البكتيريا تعيش في مناطق بركانية في دول الكاريبي كان يعتقد في السابق ان عيشها في مثل تلك الاحوال أمر مستحيل لأنها لن تصمد امام الحرارة الشديدة. ووجد العلماء في العام الماضي نوعاً من البكتيريا يعيش على عمق 1000 متر من نهر كولومبيا شمال غربي اميركا، في ظلام تام ولا مصدر لغذائها سوى الصخور والماء. وقبل ذلك الاكتشاف بشهر وجد العلماء نوعاً من البكتيريا يعيش في قاع حفرة اسفل مدينة باريس بحوالى 1670 متراً. وتدل هذه الاكتشافات على ان مصدر انواع البكتيريا الغريبة القادرة على العيش في ظروف لا تتحملها انواع البكتيريا المألوفة، قد يعود الى الفضاء الخارجي والكواكب الاخرى. وان الأوبئة التي تطل علينا بين الحين والآخر والبكتيريا التي لا تنفع معها المضادات الحيوية ربما جاءت الى سطح الارض محمولة داخل نيازك هابطة من الفضاء. ولا يستبعد البروفسور فرد هويل ان يكون بعض انواع الفيروسات المسؤولة عن بعض الأوبئة قد وصل الى الارض على اذناب النيازك الفضائية. دلائل غير قاطعة على وجود حياة بدائية في المريخ فحص العلماء عينة صخرية من نيزك المريخ عمرها 4.6 مليار سنة 1 ووجدوا فيها كريات معدنية كربونية برتقالية يوحي تركيبها الكيماوي وبنيتها بأنها تكونت بمساعدة بكتيريا مماثلة لجراثيم الارض 2 وأظهرت صور بالمجهر الالكتروني وجود اشكال انبوبية صغيرة قد تكون احفورات متحجرات مجهرية لبكتيريا عاشت في المريخ منذ اكثر من 3.6 مليار سنة 3 و 4.