قد يبدو هذا العنوان غير منطقي، ولكنه في الواقع يتناول قضية في غاية الأهمية بالنسبة لقيمنا الدينية والاجتماعية والإنسانية وكذلك صحتنا النفسية.. فالضمير أو ما يسمى الوجدان هو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل عملا ما خطأ أم صواب، أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة وعندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان. الضمير شيء حسي بداخل القلوب فعندما يغرق الإنسان في السلبيات تعلو الأنا والشهوات على صوت الضمير ويصبح الضمير في حالة يرثى لها من البؤس.. ولذلك يرى علماء النفس أن الضمير هو جهاز نفسي تقييمي لما يتعلق بالأنا.. فالإنسان يقيم نفسه بنفسه، وأيضا يقيّمه الآخرون على أي تصرف يقوم به.. والضمير يقوم بدور المعاتب إذا كانت تلك التقييمات غير إيجابية سواء في الماضي أو الحاضر، وكذلك ما سيحدث في المستقبل.. فالمحاسبة لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا كانت تحت أعين التقييم والشعور بالذنب وتأنيب الضمير ولوم النفس لدرجة اعتلال الصحة النفسية والجسدية.. لذلك فأهمية كونه مركبا من الخبرات العاطفية والمسؤولية الأخلاقية ويرتبط بالوعي والواجب، ففاقد الضمير فاقد للوعي، ولا ينحصر الضمير على السلوك الفردي، بل قد يكون هناك ما يسمى بالضمير الجمعي ليشمل جميع أفراد المجتمع خاصة في القضايا الوطنية والاجتماعية والتشاركية. اليوم ضميرنا مثل صوت صغير بداخلنا يخبرنا عندما نكون على حق وعندما نكون على خطأ.. لذا يجب أن نتعلم الاستماع إلى ضميرنا لأنه أحد الطرق التي يتحدث بها الله إلينا، وعندما نكون على حق مع الله ومع الآخرين سيخبرنا ضميرنا أننا على حق، وسيكون ضميرنا مرتاحا ولا نعاني من مشاعر تأنيب الضمير والشعور بالذنب التي تدمر الذات وتجعل الإنسان مضطرب الشخصية، ولا يتمتع بدرجة عالية من الاحترام وتقدير الذات. اليوم عندما يكون الشخص شخصا ذا ضمير حي ويعلق الجرس ويبادر بالتبليغ عن التجاوزات ويدافع عن الحقوق ويمارس النزاهة ولا يظلم الآخرين قد يدفع ضريبة مواقفه تلك من فئة معدومي الضمير؛ لأنه كان يقوم بممارسة الضمير الحي نيابة عن الفئات الأخرى من المجتمع الصامت الذين يتخذون سياسة النأي بالنفس، والضمير منهج، وفئات "وش دخلني" خوفا أو تخاذلا أو هروبا من الألم والمسؤولية.. ومع ذلك فالضمير الحي عند أولئك الإيجابيين والمبادرين والذين يمارسون الإحسان هو حالة من الرضا وتأكيد الذات؛ لأنهم مع الله ولن يخذلهم الله.