يتميز الروائي نجيب محفوظ عن غيره من الروائيين العرب بأن جمهوره ليس فقط هم القراء، وإنما هم من قرأ أعماله الروائية بصرياً في الأفلام، وحرص على مشاهدتها، وهي تعرض في دور السينما وعلى شاشات التلفاز، حيث عرضت الكثير من رواياته وقصصه، وبخاصة تلك التي ناقش فيها القضايا الواقعية والاجتماعية، والتي وصفها بعض النقاد بأنها المرحلة الثانية لكتابات نجيب الروائية الحافلة بعد مرحلته الأولى التي تناول فيها القضايا التاريخية وتحديداً التاريخ الفرعوني. ولهذا أصبح السوق من بوابة الشاشة، وأصبح المشاهد بديلاً عن القارئ، فهو القارئ البصري، وذلك حينما أصبحت روايات نجيب محفوظ أعمالاً فنية، تعرض في القنوات التلفزيونية ودور العرض الأخرى، وأصبحت هناك متطلبات للسوق الجديدة، والمستهلك الجديد أثرت ووجهت تفكير الكاتب في اختيار الموضوعات التفصيلية، وتقنيات الأداء، وأساليب المعالجة، والإخراج. وعبر المرحلتين التاريخية والاجتماعية يمكن الحديث عن مرحلته الرمزية ذات الدلالات العميقة، ولعل من تلك الأعمال السردية: مجموعته القصصية (رأيت فيما يرى النائم) التي يمكن اعتبارها مرثية كونية للأشياء، فمن خلال تكنيك الحلم في هذه القصص يحضر الواقع بصورته المضادة التي هي رثاء فلسفي لهذا الوجود ومتغيراته المتسارعة. ولعل ما يمكن ملاحظته في هذه الأحلام المتتابعة والتي رقمها الكاتب إلى سبعة عشر حلماً منامياً، الرثاء الشامل والمتكامل بمستواه الظاهر والباطن، لنجد من خلال تلك الأحلام، رثاء الزمن، ورثاء المكان، ورثاء الشخصيات بطريقة مبطنة تقوم على استدعاء التراث والشخصية التاريخية. فالشخصيات تتداخل في هذه العوالم وتختلط بطريقة ذكية مقصودة، كاختلاط أحداث الحلم ليحضر العبث بصيغته الرمزية، فالصحراء ليست هي الصحراء الواقعية، ولا المدينة هي المدينة الواقعية، ولا الزمن هو الزمن الحقيقي. فالشخصية الواحدة في الحلم تطرح تساؤلات فنية حول هوية الحالم، ودلالته الرمزية، هل هو الكاتب (نجيب محفوظ)؟، أو هل هو الراوي؟، أم هي شخصية سردية تظهر حواراتها عبر منطق صورة البطل؟، وهي في النهاية صورة المنهزم أمام تقلبات الحياة والمصير التي اعتمدت على بنيتها فكرة المجموعة القصصية. وليس حضور الأحلام المنامية في هذه المجموعة الرمزية إلا تعبيراً عن ضياع الحلم في الواقع، وغلبة التناقضات، وهيمنة التضاد، وفساد نيات الشخصيات، فهي مشاهد بصرية تعبر عن لغة الواقع المعاش، دون أن تكون مقروءة عبر صفحات السرد المكتوب، لتظهر أمام القارئ الجديد شخصيات أخرى تقوم بالبطولة وتتمثل الدور، بالعرض والصورة، تقترب من شخصيات واقعية كان يحاور معهم القارئ أحلامه وآماله في مرحلة برز فيها كبار الممثلين في السينما المصرية. د. سامي جريدي