المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم عرضة للتأثيرات المحتملة لتغيّرات المناخ وتداعياتها، من شح الموارد المائية، وازدياد حدة الجفاف والتصحر، وتهديد المناطق الساحلية، وزيادة ملوحة المياه الجوفية، وانتشار الأوبئة والأمراض، وفقدان التنوع البيولوجي، وتناقص موارد المياه، إضافة للتداعيات الاجتماعية بسبب هجرة المواطنين من المناطق المتأثرة بالتغيّرات إلى مناطق أخرى، وتراجع معدل الإنتاج الزراعي وتأثيره على الأمن الغذائي، وغير ذلك من السلبيات المعيقة للتنمية، والتي تكون لها تداعيات إنسانية على المواطن العربي. تداعيات هذه التغيّرات المناخية ستؤثر على مقدرات وإمكانيات عدد من دول المنطقة، خاصة أن 90 % من مساحاتها تقع وفق المبادرة الإقليمية لبرنامج الأممالمتحدة الإغاثي بشأن تغيّر المناخ في الدول العربية ضمن مناطق قاحلة ونصف قاحلة وجافة وشبه رطبة، وتضاعف عدد سكانها ثلاث مرات بين 1970 و2010 من 128 مليونا إلى 360 مليون نسمة، في الوقت الذي تتوقع فيه شعبة السكان في الأممالمتحدة بأن يصل العدد إلى 600 مليون بحلول العام 2050، كل هذه العوامل وغيرها من تحديات بيئية قاسية، تجعل البنية التحتية فيها هشّة للغاية ولا تقوى على الصمود لمواجهة أي تغيّرات قاسية قد تفرض عليها واقعاً صعباً، فيما تتوقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» أن تزيد التغيّرات المناخية معدلات الجفاف والتبخر في المنطقة بسبب الحرارة التي ارتفعت في العام 2019 - وفق مكتب الأممالمتحدة للحد من الكوارث CUNDRR بمعدل 1.5 درجة مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية، وأوقعت الكوارث الطبيعية الناتجة من انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وزيادة تسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية الساحلية أضراراً بقيمة أكثر من 19.7 مليار دولار أمريكي بين عامي 1990 و2019 منها 5.7 مليارات دولار بسبب الفيضانات و6 مليارات بسبب العواصف، وستتسبب التغيّرات المناخية في تناقص موارد المياه بنسبة 20 % بحلول العام 2030. ونشير هنا إلى أن استمرار النمو العمراني والسكاني في العديد من المدن الكبيرة والمناطق الحضرية في معظم الدول العربية، سيؤدي إلى اكتظاظها ويجعلها فريسة سهلة لخطر التلوث، ثم تصبح طاردة لسكانها مع تزايد المخاطر الصحية الناجمة عن التغيّرات المناخية. لمواجهة هذه التغيّرات المناخية لا بد من التعامل معها من منظور التنمية المستدامة، وفي إطار السياسات الوطنية والإقليمية، واتخاذ تدابير للتقليل من تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، وبناء القدرات العربية لمواجهتها وتطوير استراتيجيات متكاملة لمعالجة أسبابها والتكيّف مع الآثار المترتبة عليها، وزيادة الحراك الرسمي والمجتمعي لحماية الموارد الطبيعية الشحيحة والمعرضة للخطر، وتحديد نقاط الهشاشة في أنظمة انتاج الغذاء أمام الآثار السلبية للتغيّرات المناخية، وحماية الأمن الغذائي، والقضاء على الجوع، وقبل هذا وذاك وضع استراتيجيات للوقاية والتصدي واتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف حدة تداعياتها وآثارها على الإنسان. التكيّف مع التغيّرات المناخية القاسية يحتاج لحلول خلّاقة وفاعلة للتعامل معها كقضية ذات أولوية للمنطقة العربية، وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود أمامها وتحسين إنتاجية الأراضي الزراعية، وتطبيق الممارسات الزراعية الملائمة للمناخ من أجل زيادة الإنتاج الزراعي، وفي الوقت ذاته تصبح بمثابة خزان لامتصاص الكربون والانبعاثات الغازية التي تتزايد بسبب هذه التغيّرات، وتشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي، والاهتمام بالتوسع في التشجير لفعاليته أيضاً في امتصاص الكربون وتخزينه في الأشجار والتربة، وابتكار تقنيات جديدة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتكثيف الرقابة على المصانع للتقليل من انبعاثاتها، وتعزيز التزام الدول بتخفيف الآثار الضارة للتغيّرات المناخية من خلال اتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة للحيلولة دون حدوث انبعاثات، ووقف عمليات الاحتطاب الجائر، ومنع إزالة المساحات الخضراء بحجة البناء عليها، وتفعيل تطبيق القوانين والتشريعات للحفاظ على البيئة وحمايتها من أي تعديات مضرة بالبيئة، وتعزيز مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة لمواجهة تبعات التغيرات المناخية. * أمين عام المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر