دائماً ما نتلقى تلك الرسائل التي تُخبرُنا بنعمة الصحة، وسلامة الجسد، وأن الله منّ علينا بحواس تُشعرنا بلذة الدنيا ومتعتها، هل فكرتَ يوماً في فقدانها؟ هل شعرت فعلاً بأنك خسرت تلك النعم؟ الصباحات التي نتقاسمها أنا والأصحاب، والتي اعتدتُ فيها شرب أكواب القهوة، وتأمل النكهات اللذيذة في قطع الكعك، لم تعد كما أعرف! شاشةُ هاتفي التي تُضاء برسائل الأصدقاء الظريفة، وطلباتُ أختي الصغيرة التي لا تنتهي لم تكن على الشاشة، فقد وصلتني رسالة تُخبرُ وجودَ ضيفٍ ثقيل، سيلازمني طيلة الفترة القادمة، لم يكن "كورونا" ضيفاً ثقيلاً وحسب، بل كان أثقل ضيفٍ يمكنك أن تتخيله. دعوة إلى العُزلة لا أخفيكم سراً أني أصبت بخيبةِ أمل، فشعور الفرحة وانتظار العيد، تحوّل فجأةً إلى عُزلةٍ كئيبة، سيكونُ عيداً بلا (كبدة) ولا (حمسة لحم) نتناولها سوياً في كنفِ العائلة كما جرت العادة. مواساة أشبهُ بالعلاج بدأت اتصالاتُ الأقارب والأصدقاء ورسائلهم تنهالُ شيئاً فشيئاً، تلك المواساة، كانت علاجاً إضافياً بالنسبة لي، خففّت من الآلام التي شعرتُ بها. لم تعد عظامي تؤلمني، لم أعد أشعرُ بصداعٍ في رأسي، كانت كلماتهم العذبة، ودعواتهم الصادقة، ورجاؤهم الذي لا ينقع، بلسماً للروح، قبل الجسد. درسٌ مجانيّ تقول العربُ قديماً: "رُبّ ضارة نافعة"، ولعل هذهِ الضارة نفعتني حقاً. العُزلة لم تكن مجرد ابتعادٍ عن الناس، كانت رحلةَ اكتشافٍ جديدة، تعرفتُ فيها على نفسي بشكل أعمق، فقد مارستُ الرياضة، وصرتُ أقرأ بشكلٍ أكثر، ولم يكن جدولي اليومي خالياً من النشاطات الثقافية والاجتماعية؛ لذلك سأظل شاكراً للمرض الذي أيقظ بداخلي شخصيةً أخرى.