عيد مضى .. يتبعه عيد .. وبعده أعياد وأعياد والقلب لم يلبس الجديد .. غصت الأسواق ومحلات الحلوى بالمشترين وازدحمت الشوارع وتعالت الأبواق وتهافت الناس على أماكن الترفيه والقلب لم يذق طعم الفرح ! في صبيحة العيد .. ارتسم السعد على الشفاه وسَعُدت النفوس بلقاء الأحبة والقلب لم يهنأ بلذة اللقاء ! كم من قلوب فُجِعت ولم تجد من يخفف عنها وطأة الحزن .. كم من بيت ذاق في أيام العيد صدمات وتجرع آهات .. كم من ألم استقر في البيوت وقبلها القلوب في صبيحة العيد فأبدلت ثياب النقاء البيضاء بثياب الحزن والألم ! فاجعة الرحيل لا يشعر بمرارتها إلا من اكتوى بنارها وشرب من قهرها وتجرع سمها ! رحيل الأحبة ليس أمراً هيناً ولا يمكن للعقل ولا للقلب أن يستوعبه إلا من ثبته الله وأفرغ على قلبه الصبر . كم من أحبة كانوا العيد الماضي معنا كان وجودهم بحد ذاته عيداً لم يكن لهم في هذا العيد وجود فلم يشعر القلب بطعم العيد رغم كثرة الوجوه المحيطة ورغم عشرات الابتسامات التي ترسم من وقت لآخر حين تلتقي العيون ولكن في القلب غصة تأبى إلا أن تكون سيدة الموقف ! رحل الأحبة فمات الفرح واستيقظ عملاق الحزن ليحتل مساحات شاسعة بسطوته المعتادة وينكأ جرحاً كلما زار النفس الأمل باندماله أعاد نزفه بألم وحرقة ! في العيد .. تتفقد النفوس الأحبة والأقارب والأصدقاء مرددين ( سلام القاطع العيد ) ولكن حين يحول بينك وبين أن تعبر تهنئتك المسافات لتخاطب سمعه أو تحط رسالة بسيطة وبسيطة جداً كنت قد اعتدت أن ترسلها منمقة مزدانة الحروف تلتهب حرارة في صندوق بريده هل ستشعر بطعم العيد كما كان ؟!! رحيل الأحبة وإن كانوا على الأرض يمشون ضربة عن ألف ضربة خصوصاً حين يكون الرحيل جبراً بمدية الكيد الذي لا تملك حياله إلا أن تسأل الله أن يثأر لك ! في صبيحة العيد .. ذكريات أليمة استقرت في ذاكرة النفوس المسكينة فلم تجد من يكفكف دموعها ويمسح عنها تعب السنين ولا أنسى يتيمة فقدت والدها صبيحة العيد فبقيت الأسرة تتجرع مرارة فقد عائلها طوال العام وحين يأتي العيد ولا يجدوا من يلبس أجسادهم النحيلة ثياب العيد كما كان والدهم يفعل تتقلب عليهم أحزان زمن برمته . من منا تفقد الأيتام والأرامل قبل أن يأتي العيد لينظر أهم قد استعدوا أم لا ؟! من منا تفقد الأسر المحتاجة وتفقد حاجاتهم وسعى لأن يوفر لهم ما يمكن توفيره ؟! من منا أدخل السرور على قلب العمالة الوافدة ( فيحثو ) لهم شيئاً من الحلوى التي غصت بها البيوت والتي بعضها أصبحت تحت الأقدام ؟! من منا حين اجتمع العيد وبرودة الجو تفقد من لا يستطيع أن يلبس فوق الخفيف من ملابسه ما يقيه من هجمة البرد ؟! في خضم الحياة ننسى أن نسقي قلوبنا بشيء من برد الأنس حين ندخله على الغير .. فإن غادر هذا العيد بحزنه وألمه ومرارته فلازال في القادم من الأيام أعياداً إن كتب الله لنا عمراً فلا تنس أن تزور نفسك المليئة بالخير وتحثها على البذل وذكرها أن هذه الأيام من مواسم البذل فتفقد الأسر المحتاجة وتبرع لها بما تجود به نفسك من حاجيات الشتاء واسق قلبك من شراب لذة البذل والعطاء وقانا الله وإياكم من حر جهنم وزمهريرها .