حينما سُمع دوي ذلك الانفجار الضخم الذي لم تهتزّ بسببه مباني بيروت وتتحطّم ويتهشّم ويتشوّه وجهها الحسن وتتكسر على إثره واجهاتها وتتناثر أشلاء جسدها المثخن بالطعنات والدماء وبالاغتيالات ولم تتزلزل لوقعه أرض لبنان لوحدها حينما هزّت سلسلة من الانفجارات الضخمة مرفأ بيروت، الثلاثاء 4 أغسطس 2020 والتي راح ضحيتها أكثر من 220 شهيداً وأكثر من 7000 جريح و110 مفقودين والأضرار التي طالت نحو 80 ألف منزل في ثوانٍ معدودة! وبصرف النظر عن المسؤول الحقيقي عن تفجيرات مرفأ بيروت الكارثية يبقى السؤال الأهم: كيف اُغتيل لبنان بدم بارد؟ لبنان الثقافة والفكر والتاريخ والحضارة والجمال والصحافة والفنون كيف تحول في ظرف عشرة أعوام إلى دولة مسلوبة من كل ذلك، وفوق ذلك كيف فقدت سيادتها من أبنائها الحقيقيين؟ قبل عشرة أعوام تقريباً وفي 13 أكتوبر 2010م تحديداً لا تزال تلك الزيارة الاستعراضية التي قام بها الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد للبنان عالقة في الأذهان؛ نذكر كيف استقبله المصفّقون من طريق المطار وكيف كان آمناً مطمئناً يلوّح بيده أمام آلاف الجموع. كما لا يزال عالقاً في الذاكرة تعليق الأمير سعود الفيصل -رحمه الله تعالى- وزير الخارجية السعودي السابق: هي زيارة جيدة إذا كانت ستحقق السلم الأهلي. وهي زيارة مهمة إن كانت ستدعم لبنان كمجتمع لا كطائفة اقتصادياً، لكنها ستكون زيارة تسيء إلى التركيبة اللبنانية في حال جاء الدعم الإيراني لطرف واحد من بين الشعب اللبناني. عشرة أعوام مضت على زيارة نجاد للبنان المحكوم بحزب الله أو بإيران بالأحرى؛ فالجميع يعلم أن حزب الله ما هو إلا جزء من الحرس الثوري الإيراني، إذ زرعت إيران هذا الحزب لينوب عنها في الحروب والمهمات وتصرف عليه الأموال وتدرب كوادره وتمدهم بالسلاح بأنواعه، لهذا بقي الحزب مؤثراً على لبنان، ومن الطرائف أن البعض يعلق ويقول إن الجيش اللبناني هو ثالث أقوى جيش في لبنان، إذ تفوق حزب الله على الجيش اللبناني وتفوق غير حزب الله من ميليشيات على الجيش اللبناني النظامي وهذا فيه إضعاف للدولة وإزهاق لروح الوطن. مرّت العشرة أعوام وفي كل عام يثبت المشروع الإيراني فشله في التأسيس لمشروع سياسي لبناني جامع للطوائف، كما فشل التحالف الإيراني في بلورة مشروع تنموي حضاري بديل، بما تسبب في تداعٍ جوهري لدور الدولة الوطني حيث تتجلى الأزمة من خلال فساد الشارع السياسي، وفقدان النخب التقليدية لقوتها التاريخية وسط تراكم أزمات اقتصادية وأمنية وسياسية وصحية مستفحلة. وطالما بقيت دولة حزب الله والمؤتمرة بأمر إيران لا دولة لبنان هي المتحكمة في مفاصل الحكومة اللبنانية. تتجاوز كارثة مرفأ بيروت وعنبر 12 الذي يتبع لحزب الله وهم من يتحكم فيه وهم من يستخدم تلك المواد التفجيرية سواء في سورية أو اليمن أو العراق وفضلاً ما دمّر الحزب كل ما عمّره رفيق الحريري بما فيه المرفأ بالكامل والذي تكلفت بانشائه السعودية في عهد الحريري.. فطالما بقي حزب الله فلننتظر للبنان المزيد من الدمار والخراب الذي لا أدري ما أعظم ما ستؤول إليه لبنان مما هي عليه الآن!