قبل ثمانية أعوام، وفي 13 أكتوبر 2010م تحديداً، لا تزال تلك الزيارة الاستعراضية التي قام بها الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد للبنان عالقة في الأذهان؛ نذكر كيف استقبله المصفّقون من طريق المطار وكيف كان آمناً مطمئناً يلوّح بيده أمام آلاف الجموع. كما لا يزال عالقاً في الذاكرة تعليق الأمير سعود الفيصل -رحمه الله-: هي زيارة جيدة إذا كانت ستحقق السلم الأهلي. وهي زيارة مهمة إن كانت ستدعم لبنان كمجتمع لا كطائفة اقتصادياً لكنها ستكون زيارة تسيء إلى التركيبة اللبنانية في حال جاء الدعم الإيراني لطرف واحد من بين الشعب اللبناني. ثمانية أعوام مضت على زيارة نجاد للبنان المحكوم بحزب الله أو بإيران بالأحرى؛ فالجميع يعلم أن حزب الله ما هو إلا جزء من الحرس الثوري الإيراني، إذ زرعت إيران هذا الحزب لينوب عنها في الحروب والمهمات وتصرف عليه الأموال وتدرب كوادره وتمدهم بالسلاح بأنواعه، لهذا بقي الحزب مؤثراً على لبنان، ومن الطرائف أن البعض يعلق ويقول إن ميليشيات حزب الله أقوى من الجيش اللبناني، وهذا فيه إضعاف للدولة وإزهاق لروح الوطن. مرّت الثمانية أعوام وفي كل عام يثبت المشروع الإيراني فشله في التأسيس لمشروع سياسي لبناني جامع للطوائف، كما فشل التحالف الإيراني في بلورة مشروع تنموي حضاري بديل، بما تسبب في تداعٍ جوهري لدور الدولة الوطني. حيث تتجلى الأزمة من خلال فساد الشارع السياسي، وفقدان النخب التقليدية لقوتها التاريخية وسط مؤشرات أزمة اقتصادية محلية وإقليمية مستفحلة. ورغم هذه المعطيات تمثل فرصاً كبيرة بالنسبة إلى دول الخليج للعب دور أكبر في الأزمة اللبنانية، وربما في الوقت ذاته تبرز مخاطر حقيقية، إلا أن مخاطر عدم المبادرة لتغيير الوضع اللبناني أكبر بكثير من بعض مخاطر إنتاج سياسات بديلة. سوى أن تكريس التحالفات التي أنجزتها السعودية في لبنان على مدى عقود لم تحقق نجاحاً سواء مع القوى غير المتورطة تماماً في مشروع إيران: مثل القوى الدرزية، أو السنية، أو المسيحية، أو الشيعية المعتدلة فإن الأوضاع اليوم أكثر تعقيداً. ورغم أن خيوط العلاقات مع بعض هذه القوى بقيت مستمرة، إلا أنها بعيدة تماماً عن كونها مؤثرة في الجوهر أو مستدامة على المدى المتوسط والبعيد. هذا ويطالب كثيرون من اللبنانيين الوطنيين دول الخليج باستعادة دورها لإنتاج سياسات توافقية استراتيجية مستدامة تقف أمام سياسة الاستسلام للمشروع الإيراني كما حدث بعد حرب 2006. فهل سيستعيد الخليج دوره الإيجابي كما حدث في اتفاق الطائف؟