تعتبر سرت والجفرة خطاً أحمر بالنسبة لمصر، وتكمن أهمية هذه المنطقة أنها تقع في الهلال النفطي الليبي ومن يسيطر عليها يسيطر على منطقة عسكرية كاملة تربط الشمال الليبي بجنوبه في حدود 350 كيلومتر وتأتي أهميتها أيضاً أنها تربط مصر بليبيا من الجهة الغربية من خلال الطريق الساحلي، ومن يسيطر على سرت بإمكانه الزحف بقواته إلى الحدود المصرية بكل سهولة، فليس أمامه عوائق بشرية (المنطقة غير مأهولة بشرياً)، ولا عوائق طبيعية فلا جبال أو كثبان رملية. من هنا دق ناقوس الخطر عند الحكومة المصرية التي ترى أن السيطرة على هذه المنطقة يهدد أمنها القومي بتهريب السلاح أو تسلل المجموعات المسلحة إلى الداخل المصري. الخيار المصري بدخوله إلى منطقة سرت الجفرة خيار استراتيجي فكل القدرات الكاملة للجيش المصري تؤهله لمنع قوات الوفاق الليبي من السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، فطرق الإمداد مفتوحة لمصر على طول الحدود فلا تستطيع القوات التركية قطع الإمداد داخل الحدود المصرية فبفضل هذه القوة والسيطرة المصرية تأتي الثقة بقدرات جيشها من خلال التصريح الشهير للرئيس المصري في لهجة تهديدية للقوات التركية بقوله: (إن دخلوا الشرق فسيخرجوا منها ثم لن يعودوا للغرب)، ما الخيارات التركية بعد التهديد المصري؟، الخيار الأول: أن يلتزم الأتراك بموقعهم العسكري في الغرب وأن يحترموا الخيار المصري بعدم دخول سرت الجفرة لأن دخولهم يهدد المصالح التي دخلوا ليبيا من أجلها، وتتمثل هذه المصالح بمصالح توسعية بدعم الإسلام السياسي في المنطقة، وكذلك مصالح اقتصادية تتمثل بالطفر بعقود الإعمار، وعقود التسليح، والنفط، وانفتاح السوق الليبية علي البضائع التركية. كذلك السيطرة على شرق البحر المتوسط الزاخر بالثروات النفطية. الخيار الثاني: دخول حكومة الوفاق منطقة سرت وهذا بحد ذاته انتحار سياسي ينسف الجهود التركية بتحقيق مصالحها في ليبيا. القوات التركية لن تستطيع مقاومة الجيش المصري الذي ينطلق من أرضه في حدود مفتوحة، فباستطاعته استهداف أي موقع عسكري بكل سهولة، وحتى تكون المواجهة متوازنة بين الطرفين يتطلب من الحكومة التركية أن تأتي بجيشها كاملاً إلى منطقة سرت وأن تبني قواعد عسكرية في هذه المنطقة وهذا مستحيل ويفوق قدرات الأتراك على ذلك. كذلك لا ننسى أن الأتراك يقاتلون على ثلاث جبهات الشمال العراقي والشمال السوري والغرب الليبي فلا يمكن لجيش مهما كانت قدراته أن يقاتل على ثلاث جبهات وذلك لأن خصومه ميليشاوية ضعاف على النقيض من الجيش المصري ذي القدرات الهائلة عسكرياً واستراتيجيا. الخيار الثالث: أن يبقى الأتراك وحلفاؤهم في الغرب الليبي ويتم استنزاف الجيش الوطني الليبي بالمواجهات البرية تارة وبالضربات الجوية لمواقع الجيش الليبي تارة أخرى. أخيراً إذا نظرنا إلى الموقف الروسي صاحب النفوذ الكبير في ليبيا (بعد تراجع النفوذ الأميركي) فإنه أيضاً لن يسمح بدخول قوات الوفاق منطقة سرت الجفرة، لأن في ذلك تهديدا صريح للمصالح الروسية التي ترى في تركيا خصماً شرساً يشاركها الكعكة الليبية في الشرق الليبي خاصة وشرق البحر المتوسط الزاخر بالثروات النفطية عامة.