لم تكن سنة 2020م سنة اعتيادية، إذ مرَّ العالم بأسره بأزمة تسبب بها فيروس كورونا المستجد، تغيَّر العالم من بعدها وتبدلت عاداته وممارساته، واختلفت ردود الفعل تجاه الأزمة والتعامل معها، إلا أنَّ موقف المملكة العربية السعودية واستعدادها وثباتها كان مثالًا يحتذى به وهو خير دليل على نجاح وفاعلية رؤية 2030، وموقف المملكة العربية السعودية المشرِّف والمطمئن لسكانها هو نتاج تضافر جهود عدد من الجهات التي تعاونت لتسهِّل الانتقال من الحياة كما كانت قبل كورونا، إلى الحياة بمفهومها الجديد القائم على التباعد الاجتماعي والأخذ بالإجراءات الاحترازية. وقد تميَّزت الفترة الانتقالية بين المرحلتين، من حجرٍ منزلي وحظرٍ للتجول، باعتمادها الشديد على التعاملات الإلكترونية، إذ انتقلت المدارس والجامعات إلى نظام التعلُّم عن بعد، كما انتقلت معظم الأعمال في القطاعين الحكومي والخاص إلى نظام العمل عن بعد، واستطاعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أن تُثبت نفسها بجدارة، إذ تسببت النقلة الكبيرة في المعاملات الإلكترونية إلى زيادة في استعمال الشبكة، مما كان سيضعفها ويوقفها، لولا استعداد وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والخطوات التي وضعتها من خلال برنامج التحول الوطني لتحسين جودة الخدمات، وضمان وصولها لأكبر عدد ممكن من المستفيدين، لتؤكِّد التقدم المذهل الذي قطعته المملكة العربية السعودية في مسيرتها نحو تحقيق مستهدفات 2030، وفاعلية خططها في التصدي للأزمات بسرعة ومرونة ومواجهة التحديات بصلابة وقوة. البنية التحتية الرقمية اهتمت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بإنشاء بنية تحتية متينة وتنمية الاقتصاد الرقمي من خلال مبادرات برنامج التحول الوطني. ففي العام 2019م، تجاوزت المملكة المتوسط العالمي لسرعة الإنترنت، وذلك نظير جهودها في الارتقاء بجودة الخدمات الرقمية المقدَّمة للمستفيدين. إذ تمثَّلت هذه الجهود في منجزين، أولًا: رفع متوسط سرعة الإنترنت الجوال من 16 ميجابت/ ثانية في العام 2017م، إلى 41.2 ميجابت/ ثانية في العام 2019م بزيادة تقدَّر ب 150 %، ثانيًا: رفع متوسط سرعة الإنترنت الثابت لأكثر من الضعف، من 21 ميجابت/ ثانية في العام 2017م، إلى 46.9 ميجابت/ ثانية في العام 2019م. واستمر ارتفاع سرعة الإنترنت يتزايد حتى أصبحت المملكة ضمن الدول العشر الأولى في متوسط سرعات الإنترنت، إذ احتلت المرتبة العاشرة عالميًا في سرعة الإنترنت المتنقل بسرعة وصلت إلى 55.7 ميجابت/ ثانية. كما حققت المملكة المرتبة الرابعة عالميًا في نشر شبكات الجيل الخامس، واستمر نشر الشبكات رغم الجائحة ووصل إجمالي الأبراج نحو 7000 برج، بزيادة نحو 28 % عن نهاية العام 2019م، بالإضافة إلى الاستمرار في نشر النطاق العريض اللاسلكي (الجيل الرابع) وتغطية أكثر من 500 ألف منزل، بزيادة تقدر ب 36 % عن نهاية العام 2019م. ومن الجدير بالذكر أن المملكة حقَّقت المرتبة الثانية في تخصيص النطاقات الترددية بين دول مجموعة العشرين في العام 2019م، إذ شرعت المملكة في تنفيذ خطة التحول الرقمي من خلال وضع الخطة الوطنية للطيف الترددي، وتحديد أولويات إخلاء النطاقات الترددية وإعادة توزيعها وتخصيصها، وأسهم ذلك في زيادة سرعة الإنترنت بنسبة تجاوزت 200 % مما أدى إلى تحسين جودة وسرعة خدمات الإنترنت المتنقلة في المملكة، ورفع جودة خدمات الاتصالات المقدَّمة للمواطنين من مشغلي الاتصالات. وبعد أن بدأت الإجراءات الاحترازية للحد من انتقال فيروس كورونا، ارتفع متوسط استخدام الفرد للبيانات إلى 900 ميجا بايت/ثانية خلال فترة الحظر بعد أن كان 600 ميجا بايت، وهو أعلى من المتوسط العالمي بثلاثة أضعاف، لكن جهود قطاع الاتصالات التي انصبت في تهيئة البنية التحتية استطاعت استيعاب الزيادة في الحركة المحلية دون تأثر الشبكة، وذلك عن طريق ربط المشغلين بسعات عالية مع مقسم الإنترنت الوطني ووصول الحركة التي يتم تبادلها عبر المقسم إلى 40Gbps بزيادة تقدر ب37 %. الألياف الضوئية في المناطق الحضرية سعيًا لتحفيز الاستثمار في التقنيات الرقمية الحاليَّة والمستقبلية، ولدعم القطاعات التي تؤثر فيها خدمة الألياف الضوئية، مثل: التعليم، والصحة، والتجارة الإلكترونية، ولربط جميع القطاعات ذات العلاقة بتقنية الألياف الضوئية، وتوحيد ربط الأنظمة الأمنيَّة وكاميرات المراقبة في نظام موحَّد، عمدت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ضمن مبادرات برنامج التحول الوطني إلى التوسُّع في خدمة الألياف الضوئية وتوصيلها إلى جميع مناطق المملكة بالتعاون مع القطاع الخاص، وبنهاية العام 2019م وصل عدد المنازل المغطاة بخدمة الألياف الضوئية إلى أكثر من 3 ملايين منزل، بزيادة تقدر بأكثر من مليون منزل عن نهاية العام 2018م، واستمر نشر شبكات الألياف الضوئية (الفايبر) أثناء فترة حظر التجول، ووصلت إلى أكثر من 3.2 ملايين منزل بزيادة نحو 7 % عن نهاية العام 2019م، لتصل نسبة المنازل المغطاة بالألياف الضوئية في المناطق الحضرية في جميع مناطق المملكة إلى 56 %، كما تضاعف عدد المشتركين الجدد لخدمة الألياف الضوئية، ليصل إلى 1.2 مليون مشترك، بزيادة نسبتها 96 % في إبريل مقارنة بفبراير 2020، نتيجة لحملة #حول_عالفايبر وزيادة أداء الشركات. التحول الرقمي في القطاعات وعلى مستوى التحول الرقمي في الخدمات الحكومية، أسهمت جهود وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ضمن مبادرات برنامج الوطني في تفعيل الحكومة الإلكترونية وإكمال سير تقديم الخدمات الحكومية للمستخدمين، بالإضافة إلى توظيف الخدمات والمنصات والتطبيقات لمواكبة التغيرات المستجدة بسبب جائحة كورونا، ومنها: منصة التوقيع الرقمي ومنصة الختم الرقمي. إذ أظهرت الإحصاءات تسجيل أكثر من 3700 خدمة حكومية تتوفر لخدمة المواطنين والمقيمين وقطاع الأعمال إلكترونيًّا، وعلى مستوى الصحة الرقميَّة تم تقديم أكثر من 300 ألف استشارة عن طريق تطبيق "صحة" في الربع الأول، وأكثر من مليون ونصف عملية كشف ذاتي عن طريق تطبيق "موعد" بعد تفعيل الخاصية، وأكثر من مليون ونصف استشارة عبر مركز الاتصال الموحد "937"، وأكثر من مليون وصفة طبية عبر تطبيق "وصفتي"، كما أطلقت "منصة التطوع الصحي" بالتعاون مع أكثر من 12 جهة بهدف إدارة جميع بيانات الراغبين في التطوع، للاستعانة بعد في الخدمات التطوعية المتعلقة بجائحة كورونا، والوصول إلى بياناتهم بسرعة ودقة، وبلغ عدد المسجلين في المنصة أكثر من 160 ألف متطوع، وقارب عدد الفرص التطوعية المطروحة في المنصة 400 ألف فرصة. تنمية القدرات البشرية قدمت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات عددًا من المبادرات والخدمات التي تنصب في خدمة المجتمع ودعمه، إذ تم توزيع أكثر من 30 ألف جهاز و110 آلاف شريحة بيانات لدعم الطلاب والطالبات والعوائل للوصول إلى المنصات التعليمية ومنصات الصحة الرقمية من خلال مبادرة "كلنا عطاء"، وعلى مستوى اللقاءات التقنية عُقد 118 لقاء تقنيا من خلال مبادرة المعرفة الرقمية والعطاء الرقمي وmeetup، ووصل عدد الحضور إلى أكثر من 500 ألف مستفيد وعدد مشاهدات اللقاءات الرقمية مليون ومئتي ألف مشاهدة، وعلى مستوى التدريب عن بعد بلغ مجموع المتدربين في مختلف المجالات أكثر من 23 ألف كادر وطني بالإضافة إلى إطلاق مسار التدريب الصيفي والتعاوني عن بعد، الذي استفاد منه طلاب وطالبات تخصصات تقنية المعلومات من 29 جامعة حول المملكة. كما أطلقت الأكاديمية السعودية الرقمية العديد من المعسكرات والبرامج التي تهدف لتأهيل كوادر وطنية ذات كفاءة عالية للدفع بعملية التحول الرقمي وبلغ عدد المستفيدين حتى الآن من برامجها ومعسكراتها التدريبية أكثر من 1500 مواطن. ولتحفيز الابتكار وتبنِّيه أُطلق عدد من المبادرات حيث أطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات "هاكاثون الأمل" عن بعد وذلك للخروج بأفكار ابتكارية وحلول للتحديات في ظل الظروف الراهنة وفق ثلاثة مسارات مختلفة: الصحة الرقمية، والترفيه المنزلي، والألعاب الإلكترونية، وأطلقت المبادرة ضمن بطولة "لاعبين بلا حدود - من السعودية"، وسجل فيها أكثر من 15 ألف متقدم من 80 دولة، وتجاوز عدد الأفكار في المسارات الثلاثة أكثر من 4000 فكرة، فازت منها 15 فكرة، ويأتي هذا الإطلاق بهدف تطوير نماذج أعمال رقمية جديدة محليًا وفقًا لبرنامج التحول الوطني، ضمن مبادرة "تحفيز وتبني الابتكار الرقمي من خلال دعم الرياديين والشركات المحلية الرقمية". واستكمالًا لمبادرات قطاع الاتصالات في تنمية القدرات أطلقت في شهر رمضان المبارك مسابقة "اصنعها والعبها" التي استهدفت الناشئين لتعلم صناعة الألعاب الإلكترونية بمشاركة 1540 متسابقا. كما أطلقت الوزارة "تحديات شباك 9"، التي تهدف إلى خلق تفاعل مجتمعي عبر عدد من التحديات التي صُممت لتناسب الاهتمامات المختلفة لأفراد المجتمع، ووصل عدد المسجلين في التحديات أكثر من 27 ألف شخص، في 8 مسارات تثقيفية وترفيهية مختلفة، كما وصل عدد المشاركات المقدمة أكثر من 17 ألف مشاركة. إشادات عالمية نشر البنك الدولي في مدونته مقالًا كتبه أحد خبراء البنك، أشاد فيه بدور قطاع الاتصالات في المملكة العربية السعودية وتجربتها الناجحة في التحول الرقمي أثناء فترة حظر التجول التي طبقتها المملكة العربية السعودية على نطاق واسع للحد من انتشار فيروس كورونا، مما أدى إلى توقف المدارس والجامعات والحضور إلى العمل، وانتقال الموظفين والموظفات وطلاب الجامعات إلى نظام العمل عن بعد، والاعتماد الكلي على المنصات والمواقع الإلكترونية لإتمام أعمالهم واستمرارها، إذ استعرض المقال جهود المملكة واستثمارها منذ سنوات في توفير البنية الرقمية القوية ومنصات الخدمات الحكومية الإلكترونية، التي كونت أساسًا متينًا مكّنها من التكيف مع المتغيرات الطارئة ومدها بالقدرة على التجاوب السريع مع الجائحة على عدة مستويات، من أبرزها: توفر استمرار الخدمات الحكومية إلكترونيًا، وارتفاع سرعة الإنترنت وعدم تأثرها بزيادة الاستخدام، مما أدى لاستمرار عملية التعليم عن بعد لستة ملايين طالب وطالبة، واستمرارية الأعمال عن بعد لموظفي القطاع الحكومي والخاص العاملين عن بعد في فترة حظر التجول. ومن جانب آخر أشار الاتحاد الدولي للاتصالات بمبادرة المملكة العربية السعودية بإتاحة الوصول للمنصات الحكومية للتعليم عن بعد ومنصات الصحة الرقمية مجانًا للمستخدمين، وذلك بعد تعليق الدراسة في المملكة، إكمالًا للخطوة التي قام بها بعض المشغلين في البيانات المجانية للمتواجدين خلال فترة الحجر الصحي، وفي إشادة أخرى، عدّ منتدى الاقتصاد العالمي المملكة العربية السعودية واحدةً من 8 دول قامت بأفضل الممارسات في تعاملها مع الضغط على شبكات الاتصالات خلال فترة الجائحة من خلال إتاحة نطاقات تردد إضافية في نطاق 700-800 ميجاهيرتز، كل هذه الإشادات بموقف المملكة المشرِّف ودور قطاع الاتصالات بقيادة وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في خدمة سكان المملكة، واتحاد القطاعات المختلفة في المملكة لمجابهة أزمة فيروس كورونا بقوة وصلابة. تقدم غير مسبوق في مؤشر تطوُّر الحكومة الإلكترونية استمرارًا لمسيرة المملكة العربية السعودية وقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، سجلت المملكة العربية السعودية تقدمًا في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية، وهو مؤشر يصدر عن الأممالمتحدة لقياس تطور الحكومة الإلكترونية للدول الأعضاء وعددها 193 دولة، بهدف تسهيل وصول المواطن إلى المعلومات والخدمات العامة، كما يقيس متانة البنية التحتية وجودتها. وقد أظهر تقرير العام 2020م تقدُّم المملكة بواقع 9 مراكز ضمن 193 دولة، لتكون من الدول الأكثر تقدمًا في التصنيف العام، بالإضافة إلى تقدُّم المملكة في عدد من المؤشرات الفرعية، إذ قفزت 40 مرتبةً في مؤشر "البنية التحتية الرقمية للاتصالات وتقنية المعلومات" لتحتل المركز السابع والعشرين عالميًا والثامن من بين دول مجموعة العشرين (G20)، وفي مؤشر "القدرات ورأس المال البشري" تقدَّمت المملكة 15 مرتبةً ووصلت إلى المركز الخامس والثلاثين عالميًا والعاشر من بين دول مجموعة العشرين. كما حلت مدينة الرياض في المركز العاشر عالميًا في مؤشر التقنية الفرعي، والمركز الواحد والثلاثين عالميًا في التنافسية بين المدن، وتعقيبًا على هذا الإنجاز قدَّم معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحه شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده، على دعمهم وتمكينهم لقطاع الاتصالات ولمسيرة التحول الرقمي في المملكة، كما أوضح معاليه أن هذا الإنجاز ثمرة مخرجات برنامج التحول الوطني، مشيرًا إلى أن القفزات التي حققتها المملكة في المؤشر جاءت نتيجة تضافر جهود العديد من الجهات الحكومية، وتبني أساليب رقمية حديثة من خلال إطلاق العديد من المبادرات والمنتجات التي تصب في مسيرة التحول الرقمي الحكومي في المملكة، لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.