من العلوم التي تعلمناها في المناهج الدراسية تحديداً في مسائل الفقه، في باب الأذان والإقامة عبارة (ألا صلوا في رحالكم) (رواه البخاري ومسلم)، التي وردت بها السنة حكمها، وصيغتها، ومواضعها من الأذان. لم أظن في تلك الأيام أو يطرأ في مخيلتي مطلقاً أن يأتي اليوم الذي نطبق فيه ما تعلمناه عملياً كما حصل مع جائحة فيروس كورونا المستجد أثناء الحظر، بل إن هناك أموراً كثيرة لاشك تعلمناها واستفدناها واسترجعناها في جميع جوانب الحياة، فهذه الجائحة سببت بعض الأزمات التي استطعنا التعامل معها باحترافية ومهنية عالية نتيجة وجود معرفة وإدراك مسبق، وأخرى أدت قلة الخبرة والمعرفة بها - أثناء الجائحة - إلى هدر كثير من الطاقات والأوقات والأموال. إلى وقت قريب ما كنا نعلم بوجود تلك الأوبئة والطواعين في السابق، وكم من البلدان تضررت، وكم كان عدد الإصابات، ولا كيف كان التعامل معها، ومتى ظهرت ومتى أنقضت؟ ولا كنا نعلم بوجود تلك التآليف، فيما يتعلق بالأوبئة والطواعين ككتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني (بذل الماعون في فضل الطاعون) إلا بعدما حل علينا هذا البلاء، ورغم أن بلادنا لم تكن بمنأى عن هذه الابتلاءات في السابق، إلا أن السبب في جهل الناس بها هو طول العهد وسلامة المجتمع من تلك الآفات نتيجة التطور والحياة المدنية، إضافة إلى قلة التصانيف والتآليف فيها، وتدوين ما يتعلق بها في بعض كتب الطب وبعض المراجع التاريخية. ولأننا عاينا وعايشنا وتألمنا واستفدنا، ولأن في هذه الأزمان كثر الحديث عن الحروب البيولوجية (الجرثومية أو الميكروبية) وعن إمكانية تسرب أو تسريب الفيروسات من المختبرات والمعامل، فإن ما يتعين علينا عمله تدارك مثل هذه الأزمات - بخطوات معرفية استباقية - عندما تلوح بعض مؤشراتها - بل وقبل - كأن يكون هناك إشارات وإضاءات عن ملامح تلك الأزمات وأثرها على جوانب الحياة وكيفية التعامل معها على مستوى الفرد والجماعة من خلال المناهج الدراسية والجامعية - فلا تنفك الأجيال معرفة بها - وأيضاً مختلف إدارات التوعية في شتى القطاعات والجهات - كل قطاع فيما يخصه - كجزء من حملاتها التوعوية والإرشادية، فهي تثري المناهج بما يجعلها مرنة، ومتجددة، ومجدية للأجيال الحالية والمقبلة، حينها لن يكون هناك جهل أو أزمات أو صدمات أو حتى آثار جانبية كتلك التي تعرض لها الوطن والمواطن نتيجة قلة الوعي. أجزم أن الجميع متفائل بانقضاء هذه الجائحة، وأنها في يوم ستكون من سوالف الأولين، وأن المجتمع بعدها سيكون كالصخرة التي لا يضرها نطح الوعول، وكالمؤمن الذي لا يلدغ من جحر مرتين.