إنّ الطاعون - بوصفه وباءً مهلكاً - كان حضوره مؤثراً لدى العلماء، والأدباء، والمؤرخين، وعموم الكتّاب، إلى درجةٍ أن صنّفت فيه المؤلفات، ويظهر أن أول من ألّف في هذا المجال هو الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا (281ه) في (كتاب الطواعين) ويبدو أن الأوبئة، والطواعين لم يكن ظهورها مستمراً، أو متواصلاً، كما يظهر أنها كانت متنوعة، وقد يلمها - أحياناً - مصطلح الطاعون. وقد دل على تقطعها أن خطها التأليفي المواكب كان يتوقف فترات، ثم يعود أخرى. على أن الفترة الممتدة من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر الهجري، حظيت بتأليف واسع في مواجهة الأوبئة، والتصدي لها. ومن اللافت للنظر أن أكثر الذين كتبوا فيها، أو وقفوا ضدها، وحاولوا الكشف عنها، والتحذير منها، أو شرح حالهم معها، هم من أولئك الذين أصيبوا بها، أو أصيب بها ذووهم؛ لذا يمكن القول: إن تلك الفترة الزمنية هي عصر استفحال الطواعين، والأوبئة؛ بدليل كثرة المصنفات التي تصدت لها. وبعد ابن أبي الدنيا بزمن ظهر تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (771ه) في كتابه (جزء في الطاعون) ثم ولي الدين محمد بن أحمد الديباجي (774ه) في كتابه (حَل الحُبا لارتفاع الوبا) ثم الأديب شهاب الدين أحمد بن يحيى التلمساني، المعروف بابن حجلة (776ه) في كتابه (الطب المسنون في دفع الطاعون) ثم ابن حجر العسقلاني (852ه) في كتابه (بذل الماعون في فضل الطاعون) ثم شمس الدين محمد بن علي بن طولون (953ه) في كتابه (تحفة النجباء بأحكام الطاعون والوباء) ثم الشيخ يوسف بن مرعي الحنبلي (1033ه) في كتابه (ما يفعله الأطباء والداعون لدفع شر الطاعون) ومثله زين الدين محمد الشافعي (1131ه) في كتابه (منحة الطالبين لمعرفة أسرار الطواعين) ومثله حمدان بن عثمان الجزائري (1253ه) في كتابه (إتحاف المنصفين والأدباء بمباحث الاحتراز عن الوباء) والمصنفات في ذلك كثيرة؛ كانت مادتها الأصيلة لا تنفك عن الأدب؛ تنطق به، وتكشف من خلاله؛ وسيلتها في ذلك السرد، والأشعار، إضافة إلى أن بعض هؤلاء المصنفين كانوا من الأدباء. وحين نطالع الأدب الروائي في العصر الحديث نجده يخلق نوعاً من الائتلاف والاتحاد في مجابهة الأوبئة؛ فهو يمنح الناس مشاعر الانتشال، ويمدهم بالتفاؤل، بعيداً عن مزاعم الروايات، وتوجهاتها. وقد بان ذلك جلياً في روايات كثيرة، ك(الطاعون) ل(ألبير كامو 1960م) و (الحب في زمن الكوليرا) ل(غابرييل غارسيا ماركيز 2014م) و(المحطة الحادية عشرة) ل(سانت جون ماندل) وغيرها من الروايات التي تؤكد على أن الأدب لم يقف متفرجاً على الأوبئة، بل ظل يحاربها بالأمل، والصمود، وعدم اليأس.