أعتقد أن من أجمل الأدعية وأعمقها، أن تدعو لمن تحب بأن يحرم الله وجهه عن النار، إكراماً لوجهه الذي تتلمسه عيناك على أرض الواقع، ويمسح عليه خيالك في الذاكرة. وبالحديث عن الذاكرة والصورة والتأثير. يتناول الفيلم الأميركي The Only Brave بناء على قصة مستوحاة من الواقع تتحدث عن رجل الدفاع المدني من جانب الشخصية فيرسمها المخرج بملامح البطولة، والحلم، والتضحية، والصبر. ومن الجانب الاجتماعي يقدمه في قيمة اجتماعية عظيمة واحترام كبير. حيث سعى المخرج لتكريسه في أذهان المجتمع الأميركي كبطل ومحارب. ومن جهة أخرى يرسم المخرج المعاناة الأسرية التي تعانيها تلك الأسر، وذلك الشعور بين خوف الفقد، أو الإصابة التي ربما يتعرض لها ذووهم في قطاع الدفاع المدني من خلال مواجهاتهم الخطيرة مع النار والحرائق. وبالمقابل، لا أنسى موقفاً لرجال الدفاع المدني بمدينة الرياض، عندما اندلع حريق ذات مساء منذ أعوام خلت. لقد كنت ماراً بالصدفة، وكان الحدث مهيباً. شعوري بالنار عن بعد وحرارتها، ومحاولة تصور ما يحدث بالداخل مؤلمة!! فما بالكم بمن يقتحمون الحدث. تطول القصة، ويتبين لي أن المنزل - كأكثر تصاميم منازلنا - لا يوجد به مجسات الاحتراق، ولا رشاشات للماء في جدار السقف، ناهيك عن الشارع (الضيق) الذي لا يتعدى الخمسة عشر متراً، وتزدحم به السيارات الواقفة على الجانبين، ما يجعل الطريق عائقاً لأداء رجال الدفاع المدني مهامهم بصحبة آلياتهم العملاقة. إضافة لذلك، هنالك دائماً خطوط حمراء لا يتجاوزها الإطفائيون، لكي لا تصبح المصيبة مصيبتين. ولكن ما حدث يدعو للفخر. بعد أن تم إنقاذ الأسرة. علموا أن هنالك طفلاً صغيراً مايزال محتجزاً بين فكي النار، وأنياب الموت. عندها وضع رجلان من الدفاع المدني أرواحهما عند مدخل المنزل، وتخليا عن أحلامهما، واخترقوا النار ليعودا بذلك الصغير الخائف، رغم استحالة الموقف، وتجاوز حدود الخطر. تخيلوا شعور الأم وقتها، وليس شعور الحضور المتابعين. هؤلاء الأبطال المقاتلون في غاية اللطف. إنهم دائماً يرددون بابتسامة عميقة عندما تشكرهم (نحن في خدمة الشعب). إنهم أعداء الموت، وأصدقاء الحياة. وبالمقابل، من المؤسف أن تجد من يقلل من شأنهم بمحاولة ربطهم بصفات غير حقيقية من باب التندر، حين تسمع من يعتقد أنهم متأخرون في وصولهم، أو يتحدث عن عدم جاهزيتهم. وفي الحقيقة كل هذا يجانب الصواب ولا يمت للواقع بصلة. بينما في الجانب الآخر في أميركا وأوروبا، نجد أن شركات الإنتاج تدفع ملايين الدولارات لتقديم عمل فني بأرقى المقاييس إجلالاً وتعظيماً لرجال الدفاع المدني. تذكيري بهم، وبجهودهم ليس تفضيلاً لهم على غيرهم من رجال الأمن الأشاوس، بل بالعكس هو امتداد لهم، وجزء لا يتجزأ عنهم. ولكنني ربما شعرت أنه من الضروري والواجب أن نلقي عليهم المحبة والشكر، قبل أن نلقي عليهم الضوء. وأجدني كغيري نطرح السؤال التالي: لماذا لا نتذكرهم، ونكتب عنهم، ونشير إليهم داخل إطار الصورة؛ نظير أعمالهم البطولية في مجالات متنوعة، كالاحتجازات بسبب السيول، وإنقاذ الغرقى، والرفق بالحيوان. ونشيد بدورهم الفكري فيما يتعلق بالتوعية، والحملات الإعلامية؟ لقد أدوا رسائلهم لجعل المواطن آمناً واعياً سليماً معافاً. وعليه، فإن إدارة الدفاع المدني ربما تحتاج للمزيد من تفعيل دور إدارة العلاقات العامة، لتوضيح الجهود البطولية التي يقدمها أبناؤها، وتعبر عن رؤية هذا الوطن العظيم. إن من أعمق تفاصيل رجل الدفاع المدني ذلك الشعور المعقد حين يخرج لأداء عمله، باذراً في صدر أسرته احتمالية عدم الرجوع. ومع هذا يظل رجل الدفاع المدني السعودي متفوقاً على نظرائه من نفس المهنة في الدول الغربية بأنه أكثر شجاعة وأقوى معتقداً وإيماناً منهم بالرغم من تطور معداتهم. وكما يقال بالعامية "أزيدك من الشعر بيت" هم أصدقاء المعلمين والطلاب. إنهم في كل عام يزورون المدارس مرتين، ليطمئنوا على المداخل والمخارج، وليقدموا مادة توعوية وتدريبية للمعلمين والطلاب حول كيفية التعامل مع الحدث. أبطالنا يحملون أربعة دوافع استثنائية!! دينهم، وطنهم، شرف مهنتهم، وأخيراً رجولتهم (النخوة). هولاء الرجال قطع من الجنة، رذاذ من الغيم. إنهم يقتحمون النار معتمرين خوذاتهم، ببدلاتهم المضادة للنار الثقيلة، حاملين على ظهورهم أسطوانات الأوكسجين، ليعيدوا الحياة إلى مسارها الطبيعي، ليبقوا على الأرواح، ليرتبوا مسيرة الفرح، ليجمعوا الشمل، ليبتكروا الأمل من جديد. أيها الأبطال المقاتلون، أفراداً وضباطاً، ومدنيين في القطاع، وقادة، أنتم الوحيدون من بين القطاعات الأمنية بسبب طبيعة عملكم وشخصياتكم، عندما نقابلكم لا نشعر بالرهبة، إنما نشعر بالحب، لذلك أحببت أن أدعو لكم نيابة عن كل سعودي محب (حرم الله وجوهكم عن النار).. قولوا آمين.