نوه محللون عالميون بقوة قيادة المملكة الحازمة والمتوازنة لشؤون النفط في العالم وقدرتها على احتواء كافة تصدعات أسواق النفط العالمي في مختلف أزماته بالحكمة والحزم والتضحية، ملفتين للسياسة البترولية القوية والعادلة التي تنتهجها المملكة في توجيه أسواق النفط نحو الاستقرار الأمر الذي عزز قوة منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك التي تقودها المملكة في اتخاذ القرارات الطارئة لمصلحة الاقتصاد العالمي والقرارات المستدامة. وكشف محللو الطاقة في العالم عن البصمات الخفية لتلك النجاحات التي "ضبطت إيقاع أسواق النفط"، وفقاً لموقع "منصة الطاقة" وهي بصمات "سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إعادة منظّمة أوبك إلى مسارها الصحيح، واستعادة دورها الحقيقي ونفوذها"، مشددين "وفي سبيل تحقيق ذلك، اتّبعت الرياض سياسة العصا والجزرة، لتصبح لها الكلمة العليا في نهاية المطاف، وتكون رمّانة الميزان في أوبك". ونشرت "منصة الطاقة" في الولاياتالمتحدة الأميركية في صفحتها الرئيسة ما خلص إليه الكاتبان جيم كرين، ومارك فينلي خبراء الطاقة في معهد جيمس بيكر بجامعة رايس، ونشرته أيضاً صحيفة فوربس الأميركية. وقالا "ظنّ الكثيرون أن منظّمة أوبك فقدت بوصلتها، وتهالكت سفينتها، وسط أمواج هائجة وأزمات نفطية عاصفة، في ظلّ الاضطرابات الشديدة في أسواق النفط، جراء تفشّي فيروس كورونا، وما تبعه من انهيار كارثي في الطلب، فضلًا عن حرب الأسعار القصيرة لكن المنظّمة تمكّنت من لملمة جراحها، وأصلحت، ليس فقط سفينتها المتهالكة كما يتصوّر بعضهم، بل ضبطت - ولو بشكل نسبي - إيقاع أسواق النفط.. وكانت تحمل بصمات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، فيما يقودها على الواقع وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان". وتناول الكاتبان قدرة منظّمة أوبك وتحديها جولة أخرى من التعليقات حول زوالها، ولكن يبدو أنّها أصلحت أيضًا أسواق النفط العالمية، وسط انهيار غير مسبوق في الطلب على النفط، جراء تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، والتدابير التي اتّخذتها حكومات العالم لاحتوائه.. وكأنّها تريد أن تعلن عن نفسها من جديد، في الذكرى الستّين لتأسيسها. ومارست أوبك قوتها بالالتزام بحصص تخفيض إنتاج النفط، التي اتّفقت عليها أوبك وحلفاؤها، فيما يعرف بتحالف أوبك+، بل في الامتثال بأكثر من المطلوب في بنود الاتّفاق، أو الوعد بالوفاء الكامل بالتعهّدات. وقد بلغت نسبة التزام أعضاء أوبك+ بتخفيض 9.7 ملايين برميل يوميًا 108 %، في يونيو، والذي نُفّذ بقيادة السعودية وحلفائها الخليجيّين، الذين خفضوا إنتاجهم بمعدّل مليون برميل إضافي في اليوم، عن الحصص المتّفق عليها. وأضاف الكاتبان "لقد عادت موسكووالرياض تسيران جنبًا إلى جنب، وتتعاونان معًا، بهدف إعادة التوازن لأسواق النفط، بعدما أدركت موسكو أن ضريبة حرب الأسعار والمواقف الأحادية ستكون باهظة. ومن ثمّ انعكست هذه الروح على أسعار النفط، حيث ارتفعت سلّة أوبك، في يوم الجمعة الماضي، إلى 43 دولارًا للبرميل، كما لو أن السعودية قالت: "اقفزوا!"، فردّ باقي أعضاء أوبك+ "إلى أيّ مستوى؟" وتطرق الكاتبان لقوة استجابة السعودية لتوسط الرئيس ترمب الذي لعب دورًا مفيدًا في حمل السعوديّين على وقف حرب الأسعار التي شنّتها في أبريل والتي تزامنت مع انهيار الطلب على النفط، بسبب تفشّي فيروس كورونا. ومنذ ذلك الحين، تشير التطوّرات إلى قيادة أكثر صرامة وكفاءة لأوبك+، وتظهر عليها بصمات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، "الشابّ المستعجل"، وفي السابق، كانت المملكة تنتظر وصول البيانات بشأن تجاوز الحصص الإنتاجية، ثمّ تصعد ببطء ضدّ المتجاوزين، حيث تبدأ بالدبلوماسية الهادئة، إلى التشهير العامّ، إلى التهديد، تأتي بعدها حرب الأسعار ملاذًا أخيرًا. اختلف الأمر الآن، حيث جرى تجاوز كلّ المجاملات. فقبل أن تأتي أرقام الإنتاج في يونيو تخطّى الأمير عبدالعزيز الخطوات المعتادة، وذهب مباشرة إلى التهديد بحرب أسعار شاملة أخرى. ليس هذا فحسب، بل طالب الأمير عبدالعزيز من الأعضاء غير الملتزمين بالحصص، بالتعويض، وهو ما يعني تخفيضهم الإنتاج بنحو 1.25 مليون برميل يوميًا إضافية، وهي الكمّيات التي تجاهلوا تخفيضها الشهرين السابقين. وبنبرة حاسمة، قال الأمير عبد العزيز: "ليس لدينا مجال - على الإطلاق - لعدم الامتثال". وبالفعل، نجحت هذه الاستراتيجية. وقال الكاتبان لقد أجبر السعوديون أنغولا ونيجيريا والعراق على الالتزام، ليس فقط بحصصهم، ولكن بمزيد من التخفيضات التي تعوّض ما أخلّت به في السابق. كانت أنغولا تزيد الإنتاج عن الحصص المقرّرة بواقع 90 ألف برميل يوميًا في مايو، ونيجيريا بواقع 175 ألف برميل، والعراق بواقع 600 ألف برميل يوميًا. ودفعت روسيا كازاخستان - التي كان إنتاجها يتجاوز حصّة أوبك+ ب 125 ألف برميل يوميًا - إلى الالتزام بنفس النهج. وأضافا بقولهم "ومن غير الواضح ما إذا كانت المملكة قد قدّمت جزرة ساعدت في تغيير موقفي أنغولا ونيجيريا. ولكن - بالتأكيد - كانت هناك عصا، حيث حذّر الأمير عبدالعزيز، مؤخّرًا، وفدي البلدين في أوبك، بقوله: "نحن نعرف من هم عملاؤكم". ففي بداية شهر يوليو رفضت أنغولا، ليس فقط إجراء تخفيضات تعويضية، بل أيضًا الامتثال للحصّة المتّفق عليها في أوبك. ولكن، بعد بضعة أيّام، تغيّر الموقف تمامًا، وأعلنت أنغولا الالتزام الكامل، واتّصل ولي العهد السعودي بالرئيس النيجيري، محمد بخاري، في أواخر يونيو، وتعهّدت أبوجا بالامتثال الكامل في ذلك الشهر. وواصلا الكاتبان بالإشادة بدور المملكة وقالا "ربّما تأثّرت أنغولا ونيجيريا بما فعلته السعودية في أبريل عندما شنّت حرب أسعار فورية. وعزّزت المملكة تهديدها بزيادة كبيرة في الإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصل إلى 12 مليون برميل يوميًا، في الوقت الذي كان فيه الفيروس التاجي يدفع الطلب العالمي على النفط إلى السقوط الحرّ. وكان كلّ منتج للنفط على هذا الكوكب مرعوبًا، وليس فقط الأعضاء المتقاعسون في أوبك. وقد تكون هذه الرغبة من قبل السعودية في زيادة إنتاجها، هي العصا المسنّنة التي تدعم مطالب الأمير عبدالعزيز للأعضاء المتخلّفين بالتعويض. واستعرض الكاتبان الصورة الأكبر للأزمة التي تجعل الخروج على الاتّفاق أقلّ جاذبية. يميل منتجو النفط الذين لا تتّفق معهم السعودية، إلى التعثّر. فليبيا، ذلك العضو الذي كان عنيدًا في السابق، تمكّنت بصعوبة من إنتاج 90 ألف برميل يوميًا فقط، في مايو، وسط حرب أهلية، أي خمسة بالمئة فقط من 1.8 مليون برميل يوميًا، كانت تنتجها العام 2010، بعد أن بدأت المملكة والإمارات وروسيا في دعم قوّات شرق ليبيا (الجيش الوطني)، بقيادة الجنرال خليفة حفتر. وتعرّضت فنزويلا وإيران - المنافستان للسعودية في منظّمة أوبك - لشلل شبه كامل في صناعة النفط، وخرجتا بنتائج كارثية. وتعود هذه الأزمة - بشكل أساس - إلى العقوبات الأميركية، والتي تفاقمت في حالة فنزويلا، بسبب سوء الإدارة الداخلية. أمّا قطر، فقد انسحبت من المنظّمة تمامًا. وللتدخّل الأميركي المباشر هدف مزدوج، وهو معاقبة الأنظمة المتمرّدة، ومكافأة الحلفاء بجزء من حصّة العضو المتمرّد في السوق. ومن المتوقّع أن تزداد أوبك صرامة في تطبيق الحصص الإنتاجية، مع تآكل الطلب على النفط، نتيجة التغيّر المناخي، حيث إن الالتزام بالحصص الإنتاجية يصبح ذا أهمّية عالية. مثلما هي الحال في كلّ منظّمة، واجهت مجموعة أوبك / أوبك+، - تاريخيًا - صعوبات في فرض ما جرى الاتّفاق عليه، ومع المنتفعين من تخفيض الآخرين للإنتاج، أو ما يسمّى بالركوب المجّاني (وهو الانتفاع من الخدمات أو السلع، دون المشاركة في تحمّل كلفتها أو مصاريف إنتاجها، ممّا يجعل هذا الانتفاع عبئًا اقتصاديًا على الآخرين). بالنسبة للرياض، فإن فوائد زيادة الانضباط واضحة للغاية. فهناك حاجة ماسّة لارتفاع أسعار النفط، لتمويل رؤية ولي العهد، محمد بن سلمان، لتطوير المملكة، كما أن الانضباط من قبل متجاوزي الحصص الإنتاجية، يجعلهم شركاء في الألم داخل أوبك، ومن ثمّ، لن تضحّي السعودية وحدها. وفي هذا السياق، يطرح سؤال - في غاية الأهمّية - نفسه، هل وجدت السعودية أخيرًا "الخلطة السرّية؟" أم أن الانضباط اليوم - مدفوعًا بأكبر انخفاض على الإطلاق في الطلب على النفط - سيتلاشى جنبًا إلى جنب مع فيروس كورونا؟ من السابق لأوانه الجزم بذلك، لكن استعداد السعودية للتحرّك، بناءً على النجاح الأخير، يجعل المتقاعسين في أوبك يفكّرون مرّتين قبل تجاوز الحصص المقرّرة مرّةً أخرى. في نهاية المطاف، فإن اللجوء المتكرّر لحرب الأسعار يقوّض رؤية أوبك في تخفيف الذبذبة في السوق، وجعلها أكثر استقرارًا وأقلّ ضبابية. في أسواق النفط، "قليل" من الجنون يقطع بنا شوطًا طويلًا. السعودية تقود عالم النفط نحو الاستقرار وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان ينجح بكافة مفاوضات النفط لمصلحة العالم