ليس بالإمكان تجاوز الاستدعاء التاريخي الواضح في تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، فالسلطان العثماني السابع محمد الثاني المعروف بمحمد الفاتح، قام بذات العمل بعد فتح القسطنطينية (إسطنبول) منذ ما يقارب 567 سنة، وكانت آيا صوفيا كنيسة قبل هذا التاريخ، ثم حولها أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة إلى متحف، وما فعله أردوغان يمثل انقلاباً على قيم العلمانية التركية، وفيه استرجاع للدولة الدينية بشكلها العثماني، قبل السلطان سليم الثالث عراب العلمانية الأول في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو بتصرفه الموجه إلى الداخل بالدرجة الأولى يحاول استرداد جزء من شعبيته التي فقدها بسبب عمليات القمع والتضييق على شعبه، وكنتيجه للانهيار الاقتصادي وتدهور الليرة التركية والأوضاع المعيشية المتردية بفعل كورونا، وقرار أردوغان انتقد من قبل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، لأنه تعرض لمعلم تاريخي من المعالم المدرجة في قائمة التراث العالمي باليونسكو. النظام العالمي الجديد لا يسمح لأردوغان بتحقيق حلمه العثماني على الخارطة، ولكنه يستطيع الالتفاف عليه بفرض سيطرته على القرار السياسي في الدول العربية والإفريقية، مثلما فعل مع قطر والصومال وليبيا الوفاق وسودان البشير، علاوة على استمالة السنة في الشمال اللبناني، والاستفادة من إثيوبيا في ملف سد النهضة، والإثيوبيون يمارسون ابتزازاً بالوكالة مدفوعة القيمة نيابة عن نظام أردوغان وبدعم من الريال القطري، وبالتالي فالأهم من وجهة نظر أردوغان، هو استغلال أزمات المنطقة ومشكلاتها لمصلحته. الاحتلال العثماني للدول العربية بلا إنجازات طوال تاريخه والعكس هو الصحيح، والعثمانيون هم الأقل من بين الدول الإسلامية في إسهاماتهم العلمية والثقافية، وكانوا يهتمون بالحروب وقد كرسوا لدموية الإسلام وشوهوا صورته في أوروبا، وليس بين أعلام المسلمين في مختلف العلوم والمعارف عالم مؤثر خرج في الزمن العثماني. وسرق العثمانيون ثروات ومقدرات الدول التي احتلوها، وتركوها عاجزة وضعيفة في مواجهة التهديدات، وسلموا المنطقة العربية لبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، والأصعب تسليم فلسطين للانتداب البريطاني في 1920. الحرب والسياسة كانتا من وسائل حماية الدول الإسلامية، ولم تكن غاية في حد ذاتها إلا في الحالة العثمانية وحدها، والنموذج العثماني لم يكرس إلا لممارسة أطفال المتعة المسيحيين ممن تتراوح أعمارهم ما بين 8 و10 سنوات ويسمونهم الكوجيك، وذلك في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين، وهو بأفكاره وتطلعاته يناسب من يعانون من البارانويا والشعور المرضي بالاضطهاد، كالإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية وحكومة الوفاق الليبية والنظام في قطر. بالتأكيد أردوغان لا يمثل إلا مرحلته وجماعته السياسية، ولا علاقة لأسلوبه في السياسة الخارجية وفي الاقتصاد بالشعب التركي وبالسياسيين الشرفاء في أنقرة وفي المنفى، والمتوقع أن تكون نهاية حكم العدالة والتنمية وأردوغان في 2023، وهذه السنة حددها أردوغان بنفسه كموعد لولادة الجمهورية الثانية وتركيا الجديدة.