أثبتت وزارة الصحة بتعاملها الفعال والمبدع مع الجائحة أن لديها من القدرات والكفاءات الشي الكثير الذي لم يظهر لنا إلا خلال هذه الأزمة، وتناقص نقل الحالات إلى المدن الكبيرة خلال فترة الحظر بشكل ملحوظ سواء بطلب من الأهل أو من المستشفى، مما يبين لنا مقدرة تعامل المستشفيات الطرفية وقوتها واكتسابها الخبرة في علاج هذه الحالات، ودراسة تقنين نقل الحالات وتكدس المستشفيات المركزية، كما جاء إيقاف العيادات الخارجية واستحداث العيادات الافتراضية واستمرار الخدمة دون تأثر ليدفعنا إلى وضع آلية لهيكلة العيادات الخارجية والتقليل من السفر والمخاطر على المرضى، والازدحام الناتج عن ذلك والمواعيد في المستشفيات المرجعية. لقد كشفت الأزمة أهمية وجود نظام تقني حتى يصبح خطة بديلة في حال الأزمات، وهذه التجربة رأينا ثمارها في جائحة كورونا، وساهم التدريب في القطاعات الصحية في وجود كوادر طبية رائعة تعاملت مع المصابين بشكل احترافي، خصوصا طواقم الطوارئ والعناية المركزة، ما يجعل الاهتمام باستمرار سياسة التدريب ضرورة ملحة. وخلال أزمة كورونا استطاعت المستشفيات رفع الكفاءة التشغيلية للأقسام، والمساحة الاستيعابية لعدد المرضى، وفترة بقائهم، مع المحافظة على مستوى جودة الرعاية الصحية، إضافة لاستقبال المراكز الصحية أضعاف أعدادها وهي فرصة لنا لتفعيل دورها بعد انتهاء الجائحة، مما يسمح بإعادة النظر بقدرة مستشفياتنا على خدمة مرضى أكثر حين توفر الدعم، مع الالتزام بنظام مكافحة العدوى، والجهود المبذولة والمتابعة الدقيقة للطاقم الطبي التي جعلت منهم مثاليين في التعامل مع المرضى، وهذه فرصة لنا لتحسين الالتزام بجميع الخطوات الروتينية، مثل غسل اليدين بعد الأزمة وتقليل خطورة انتقال بكتيريا المستشفيات. إن بقاء المرضى في منازلهم، وحرصهم على عدم مغادرته، وتفضيل العلاج بالمنزل فرصة لتفعيل دور الطب المنزلي بشكل أوسع، وفي ظل قيام وزارة الصحة بتوحيد كل الجهود الطبية وكل المستشفيات لتقديم الخدمة الصحية لمرضى كورونا فقد أثبتت نجاحها وهي فرصة لاستمرارية المشاركة لبناء نظام صحي فعال، ناهيك عن التنسيق العالي في الإدارة حين نجحت في وضع مراكز تحكم وسرعة تواصل عالية وهي فرصة في إبقاء مثل هذه المراكز للمتابعة والتنسيق وتوحيد الجهود، واستغلال الموارد المتاحة بكفاءة عالية، وحاولنا الاقتصاد في استخدامها قدر المستطاع مع ملاحظة عدم التقصير على احتياجات المرضى، وهي فرصة لنا لاستمرار التعامل مع الموارد بحكمة وحسب الحاجة. إن نظام الوزارة في حصر الحالات والمخالطين ومتابعة النتائج فعال جدا ويجب أن نستفيد من هذه التجربة في اكتشاف الأمراض المزمنة كالسكر وأمراض القلب مبكرا ومضاعفتها للحفاظ على صحة الإنسان. ومن الأهمية بمكان استحداث نظام تموين خاص للمستشفيات لتسريع عملية شراء الاحتياجات الطبية الضرورية بصورة عاجلة وكذلك تنويع الموردين. جائحة كورونا كشفت ازديادا وتنوع الأبحاث العلمية خلال الأشهر الماضية بشكل ملحوظ، ويجب علينا غرس ثقافة البحث العلمي، وتشجيع الباحثين ودعم المجال البحثي بعد هذه الفترة. كما تم اكتشاف قوة وحماس الفريق الصحي في تصميم خطة للجائحة في نهج تدريجي لاستيعاب أعداد المرضى المتزايد على مراحل مختلفة والذي وصل إلى ثلاثة أضعافه في المراحل المتقدمة، ووجود هذا الفريق على مدار الأربع والعشرين ساعة وفِي جميع أيام الأسبوع، هو فريق يملك حُبًّا وخدمة الوطن والمبادرة، في كل وقت من خلال الاجتماعات الفعلية والافتراضية، والجولات الإدارية في أقسام المستشفى والعمل مع مركز القيادة والتحكم في وزارة الصحة، وهذا سينعكس على توفير كادر صحي ذي طموح عال واعد للوطن. لقد تحققت بفضل الله إنجازات ومبادرات إكلينيكية في فترة وجيزة، مما يدل على التنبؤ بمستقبل صحي مواكب لرؤية 2030 وللتطور العالمي بفضل الدعم المقدم من ولاة الأمر ممثلاً في وزارة الصحة، بغرض التشجيع وتحفيز الكادر الصحي على مستوى الأفراد والمنشآت الصحية وهو ما يدل على اهتمام ولاة الأمر بهذه الفئة.
* رئيس قسم العناية المركزة والمدير الطبي للمستشفى العام - مدينة الملك سعود الطبية