تتسارع الأحداث في ليبيا، وتتسارع معها مواقف دول الجوار الليبي، التي ترفض جملة وتفصيلاً، التدخل التركي، الذي يهدد أمنها القومي، ويستبيح ثروات الليبيين، بتواطؤ مفضوح من حكومة الوفاق الليبية، التي تشرعن للتدخل العسكري الأجنبي، وتفتح الباب على مصراعيه لتدويل القضية. ومع رفض المجلس الرئاسي الليبي كل سبل التسوية السياسية، أعلن الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، الذي ضاق ذرعا من حكومة السراج، أن المؤسسات السياسية الحالية في ليبيا تجاوزتها الأحداث، ولم تعد تمثل الشعب الليبي. ويرى الرئيس الجزائري، الذي يتمسك بخيار الحوار بين الإخوة الفرقاء، أن حل الأزمة الليبية لا يكون إلا بالعودة إلى الشرعية الشعبية، واستشارة الشعب الليبي بتنظيمه القبلي، والذهاب نحو مجلس تأسيسي، وإعداد دستور جديد. وقبل الرئيس تبون، أكد الرئيس التونسي، قيس سعيد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره، الفرنسي، إيمانوال ماكرون، أنه يجب البحث عن شرعية جديدة في ليبيا، لأن الشرعية في طرابلس مؤقتة، ولا يمكن لها أن تستمر، ولا بد أن تحل محلها شرعية جديدة نابعة من إرادة الشعب الليبي». مواقف تتوافق ايضا مع تصريحات وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي ذكر في يونيو حكومة الوفاق الليبية، بانتهاء ولايتها بنهاية صلاحية اتفاق الصخيرات المنبثقة عنه منذ ثلاث سنوات. وبالعودة الى ما جاء في اتفاق الصخيرات بالمغرب، تنتهي عهدة حكومة الوفاق الوطني، يوم 17 ديسمبر 2017، ما يطرح تساؤلات جدية عن قانونية الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا العام 2019، وهل فتح ملف شرعية حكومة الوفاق يحيلنا إلى الحديث عن قانونية الإتفاقيات التي وقعتها حكومة فايز السراج نهاية العام 2019. وتتناغم مواقف الجزائر مع تونس ومصر، بخصوص الدور المحوري للقبائل الليبية في حل الازمة فعلى مدار التاريخ كانت المركز الحقيقي لصنع القرار في ليبيا، ويرفض المجلس الرئاسي الليبي إقحام القبائل الليبية في أي حل، بدعوى ان ليبيا ليست مجتمعا قبليا بل مجتمع مدني، بسبب رفض القبائل الليبية التواجد التركي في ليبيا، وما زاد من غضب حكومة الوفاق استنجاد قبائل ترهونة بمصر لصد أي عدوان تركي. ويرى الخبير الجزائري في العلاقات الدولية، والمستشار السابق بالرئاسة الجزائرية، إسماعيل دبش خلال حديثه ل»الرياض»، أن الجزائر تريد حكومة وطنية توافقية في ليبيا يكون فيها الثقل الأكبر للقبائل، والوطنيين من غير المتسببين في الأزمة الحالية، ومن هذا المنطلق، فالصراع القائم حاليا لا يتوافق مع المنظور الجزائري في حل سياسي، لأن مسألة التصعيد التركي من خلال التدخل المباشر وغير المباشر، بداية من مطار الوطية بغرب ليبيا، وتوجهها نحو سرت، ومحاولة التحكم في مطار الجفرة، زيادة على استقدام أكثر من 14 الف مرتزق، كله تجاوز خطير يطعن في مخرجات مؤتمر برلين. ويرى دبش، أن التصعيد التركي، لا يمس بالأمن الليبي فقط بل بأمن دول الجوار الليبي ككل، ومنه ينبع التوافق الجزائري - التونسي، رغم معارضة الغنوشي، فالواضح ان تونس حسمت موقفها اليوم، بخصوص رفض التدخل التركي بعد أن كانت مترددة في وقت سابق. وبخصوص دور القبائل الليبية في حلحلة الأزمة، يرى الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة الجزائري، ابراهيم بولحية في تصريح ل»الرياض»، أن القبائل الليبية شأنها شأن قبائل العديد من الدول العربية، ما زالت تمارس سلطة كبيرة في شؤون الدولة، والقبائل الليبية منذ عهد معمر القذافي، دورها كبير ويتعاظم، وهي من تمثل الشعب الليبي، وتعمل على الحفاظ على ليبيا وثروات ليبيا. وشدد على أن المشكلة الأساسية في ليبيا اليوم تكمن في كثرة التدخلات الأجنبية، وكثرة الأطراف التي استثمرت في الأزمة الليبية ما أدى إلى تفاقم الوضع، والحقيقة ان المؤسسات الموجودة حاليا في ليبيا أصبحت جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل، لذا يجب أن يتفق الفرقاء الليبيون على بناء مؤسسات نابعة من الشرعية الشعبية. كما أكد المحلل السياسي التونسي، محمد صالح العبيدي، في تصريح ل»الرياض» أن تصريحات الرئيس الجزائري تبون جاءت لتؤكد تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد، وترسيخ القناعة جاء بعد نحو ثلاثة أشهر من الاتصالات، لأن التدخل التركي غرب ليبيا يمس بالأمن القومي بجنوب تونس وايضا بالأمن القومي الجزائري على الحدود، والتخوف الجزائري - التونسي يكمن بشكل أكبر في الدواعش والمرتزقة الذين استقدمتهم تركيا، ما سيحول المنطقة الى ساحة لتناحر الجماعات الإرهابية. وشدد على ان حكومة الوفاق تجاوزتها الأحداث ولم يعد بيدها مفاتيح الأزمة ولا بد من العودة الى الشرعية الشعبية من خلال انتخابات جديدة، مؤكدا على ان حكومة الوفاق انتهت عهدتها، ولم يصادق عليها البرلمان الليبي، واستقال منها عدة قياديين، والاتفاقيات التي أبرمتها بعد نهاية ولايتها، بما فيه اتفاقية طرابلس- تركيا باطلة.