انتهت فترة إعلانات نتائج الشركات عن أعمال الربع الأول 2020 بعد تمديد الفترة بسبب جائحة كورونا، ومع أن تأثير الجائحة على الشركات لم يحصل إلا في شهر مارس إلا أن تراجع الأرباح تجاوز 26 %، القطاع المصرفي كان هو الداعم الرئيس للسوق خلال السنوات الماضية مع النمو المستمر في الأرباح إلا أن التراجع قد طاله بعد خفض أسعار الفائدة وزيادة المخصصات التي هبطت بالأرباح بنحو 7 %، وأعتقد أن العودة إلى مستويات الأرباح السابقة لن يكون إلا بعد عدة سنوات، أما قطاع المواد الأساسية وهو أكبر قطاعات السوق وأكثرها تنوعاً تحولت نتائج القطاع إلى خسارة بنحو 500 مليون ريال بالرغم من تحقيق شركات الإسمنت أرباحاً عالية، قطاع الاتصالات لاشك أنه استفاد من الأزمة حيث ازداد الطلب على خدمة البيانات مع تحول كثير من الأعمال إلى المنزل وكذلك التعليم عن بعد مما رفع ربحية القطاع بنحو 8 %، وسوف تستمر الشركات في تحقيق نمو في الأرباح خلال السنوات المقبلة مع التحول الرقمي المتوقع تسارعه بعد الجائحة، ومع أن السلبية هي السمة التي صاحبت معظم نتائج القطاعات إلا أن تلك السلبية لم تنعكس فعلياً على المؤشر الذي ارتفع بنسبة 21 % بعد السقوط الحر في منتصف شهر مارس وتسبب في ارتفاع مكررات الربحية للسوق السعودية إلى أكثر من 22 مرة، وهذا بلا شك مكرر عالٍ جداً، قد يُعزى تجاهل السوق لنتائج الشركات إلى عدة عوامل لعل أبرزها هو الدعم الحكومي والمبادرات التحفيزية التي أطلقتها وزارة المالية ومؤسسة النقد وصناديق الإقراض الحكومية التي ساهمت في المحافظة على القطاع الخاص من أي تبعات سلبية قد يتسبب فيها الإغلاق الاقتصادي، العامل الآخر هو زوال الضبابية التي كانت في أوجها خلال شهر مارس، وبدأ يظهر بصيص أمل على قدرة الحكومات بفتح الاقتصادات والتعايش مع الفيروس، العامل الثالث وأنا أعتبره سبباً رئيساً في تجاهل جميع الأسواق العالمية لكل السلبيات التي تسببت فيها الجائحة وهو انعدام الفرص الاستثمارية، فالذهب وهو الملاذ الآمن ارتفع إلى مستويات عالية، وأصبح هنالك توجس لدى المستثمرين من تصحيح ربما يتسبب لهم بخسائر، أيضاً الاستثمار في السندات والودائع لم يعد مجدياً مع تراجع أسعار الفائدة، ولذلك كان الخيار الوحيد أمام المستثمرين هو الاستثمار في الأسهم وخصوصاً بعد التراجعات الحادة في أسعار بعض الشركات والتي يُعتقد بعودة التعافي لها سريعاً بعد الأزمة، السوق السعودي شهد زيادة كبيرة جداً في مستويات السيولة وصلت إلى 73 % في شهر مارس ونحو 25 % في بقية الأشهر اللاحقة، وهذا يفسر أن هنالك دخول مستثمرين جدد في السوق السعودي إما عن طريق التداول المباشر أو من خلال الصناديق الاستثمارية المتداولة في الأسهم، وهذه الزيادة في السيولة قد تكون ناتجة عن دخول المستثمرين الأفراد ممن كان الحجر المنزلي محفزاً لهم للتداول بالأسهم، أو من خلال قطاع الأعمال الذي توقفت فيه الأنشطة التجارية مما حفز بعض المنشآت التي تحتفظ ببعض السيولة إلى الاستثمار في الأسهم وتعويض توقف الإيرادات من الأنشطة التشغيلية. تقييم السوق السعودي عالٍ جداً، وهذا بلا شك سوف يتسبب في عزوف المستثمرين المؤهلين وخصوصاً المستثمرين الأجانب وقد تعود المضاربات العشوائية للسوق مرة أخرى وتحريك التوصيات الوهمية التي ربما تتسبب في تذبذبات حادة للمؤشر من دون أسباب منطقية، وقد لوحظ خلال الفترة الماضية أن السوق السعودي يبدو منفصلاً عن الأحداث الخارجية والأسواق العالمية وتحركات أسعار النفط، وبدأ في أخذ مسار لا يتعاطى مع الأحداث وكأن المضاربين استعادوا شيئاً من ممارساتهم السابقة، السوق منذ فترة وهو يتذبذب في نطاق عرضي مع زيادة في قيمة التداولات اليومية وصلت إلى نحو 10 مليارات ريال قبل عدة أيام، وفي جلسة تداول يوم الخميس الماضي التي سبقها تراجع حاد في البورصات العالمية وأسعار النفط وكان متوقعاً تأثر المؤشر بتلك التراجعات إلا أن ذلك فعلياً لم يحدث إلا في بداية الجلسة ولم يستمر طويلاً، وأغلق على ارتفاع في نهاية الجلسة، وبالرجوع إلى أرقام القيم المتداولة حسب تصنيف المستثمرين وفقاً للسلوك الاستثماري نجد أن نسبة المستثمر غير المؤسسي للفترة من مارس إلى يونيو فيما يخص القيمة المتداولة ارتفع من 54 % في العام 2019 إلى 74 % في العام الحالي 2020، وهذا يعني أن السلوك الاستثماري في السوق السعودي قد تغير خلال أزمة كورونا بحيث سيطر المستثمر غير المؤسسي على التداولات في السوق، وهذا قد يفسر انفكاك السوق على التحليل الأساسي، وأصبحت العشوائية تسيطر عليه. الشركات سوف تبدأ في إعلان نتائج الربع الثاني اعتباراً من الشهر المقبل، وسوف تتأثر كثيراً بإغلاق الاقتصاد الذي طال جميع الأشهر، وقد ظهرت مؤشرات ذلك على نتائج البنوك خلال شهر أبريل، حيث تراجعت الأرباح بنحو 38 %، وهذا سوف ينسحب بالتأكيد على بقية الأشهر، أما القطاعات الأخرى فسوف يكون التراجع أعمق، وقد تزيد عدد الشركات الخاسرة، ولذلك إن تفاعل السوق مع النتائج فإن المؤشر قد يعود إلى مستويات 6000 نقطة، وهي القيمة العادلة للسوق إن جاءت النتائج كما يتوقع المحللون.