يمكن تعريف التعدد الثقافي بأنه كما يقول «فلوري»: «خليط من الناس، مع مجموعة مختلفة من الهويات، داخل نفس النظام الاجتماعي»، أي أنه مصطلح جامع لكل أنواع الثقافات المختلفة، التي تندمج وتتبلور في ثقافة واحدة، تمثل فئة مجتمعية واحدة، تعتمد على مبدأ احترام خصوصيات كل ثقافة، معتقداتها، هويتها، مبادئها، وغيرها. إن مفهوم التعدد الثقافي موجود في غالبية المجتمعات العربية والغربية وإن كان مختلفًا في تحديده؛ فالثقافة العربية - غالبًا - يحكمها الدين الإسلامي، الذي يؤكد على احترام الآخر بأشكاله المتعدد؛ تبعًا للعمر، للنوع، للعرق، وغيرها، بينما الثقافة الغربية تجدها تركز بشكل أكبر على الخصوصية، حرية الرأي والتعبير، ولعل أكثر من استفاد من ذلك في المجتمعات الغربية؛ طائفة السود، فلقد صار الآخر الأسود حُرًا في التعبير عن رأيه، وممارسة معتقداته وموروثاته، والحصول على حقوقه في التعليم، العلاج، التوظيف، حتى وصل إلى مناصب عُليا أهمها رئاسة الدولة، لكن السؤال المهم هنا هو: كيف كان؟ ولأن كل أدب مرآة للمجتمع والعصر الذي كُتب فيه، فإن أسهل طريقة لمعرفة الصورة القديمة السائدة عن الآخر الأسود هي تتبع كتابات الأدباء عنهم، فعلى سبيل المثال في الأدب الأميركي، نجد الكاتبة الشهيرة ذات الأصل الأفريقي «توني موريسون»، قد تمكنت من خلال السرد أن تتطرق للعلاقة المعقدة بين البيض والسود، فسخّرت أدبها للحديث عن قضايا السود، وما يعانيه الآخر الأسود من تهميش، وإقصاء، واستعباد، ونبذ من قِبل جماعات البيض، ويمكن القول إن القضية الأساسية في جميع رواياتها كانت معاناة السود، ففي رواية «العين الأكثر زرقة»، تتخذ توني من الطفلة «بيكولا» بطلة لروايتها، التي تضطر لتحمل أوجاع التفرقة العنصرية ومآسيها فقط لأنها سوداء، كما تتجلى فكرة استعباد الأبيض للأسود عندما تعمل «بولين» عند إحدى السيدات الكبار في السن من البيض، وتخلص في خدمتها، لكنها عند أول موثق تطردها دون أن تمنحها الأجر! لقد حاولت «توني» مرارا وتكرارا في أدبها، إثبات العنصرية الأميركية ضد السود قديمًا، التي وإن تغيرت الآن مع ظهور الاعتراف بالتعدد الثقافي؛ مازالت بعض رواسبها تطفو على سطح المجتمع، ففي كتاب موريسون «اللعب في الظلام: البياض والخيال الأدبي»، الذي تُرجم إلى اللغة العربية تحت مسمى «صورة الآخر في الخيال الأدبي»؛ تناولت مجموعة من الأعمال الروائية لكتاب أميركيين من البيض، وبينت كيف تم إقصاء الشخصيات السوداء في العمل عن طريق تغييب الشخصية السوداء بتهميشها وقهرها، وحضور الشخصية البيضاء بوضعها موضع السلطة والهيمنة، الأمر الذي اعتبرته «توني» حضور باهت لا يتم إلا بوجود الشخصية السوداء، فلولاها لم يكن للشخصية البيضاء أي أثر! في الوقت الحالي يمكن أن نقول إن أميركا هي مملكة التنوع الثقافي بغض النظر عن الأقليات المعارضة طبعا، والمطالع للأعمال الأميركية يجد أن الصورة باتت ديموقراطية أكثر من قبل، فالشخصية السوداء حاضرة وبامتياز، متمتعة بكل حقوقها، فقد يكون الأسود سيدًا وصاحب نفوذ وهيمنة، كما أن الأبيض قد يأتي أجيراً، أو سفاحًا ومجرمًا بعد أن كانت تلك الصفات لصيقة بالآخر الأسود ردحًا من الزمن.