بين إدارة الأزمات والإدارة بالأزمات يُحلق اقتصاد الخوف، فلقد تعرض فقهاء الاقتصاد الإسلامي لفقه الجوائح أو النوازل، بوصفه شكلاً من أشكال الأزمات، فعرَّفوا النازلة بأنها الآفة التي تُصيب الثمرة وتُؤدي إلى استئصالها، وهي كل ظاهر مُفسِد من مطر، أو برد، أو جراد، أو ريح، أو حريق؛ كما عرفها اللغويون (حسب لسان العرب): بأنها الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال ابتلاءً أو فِتنة، فالجائحة تحُل بالرجل في ماله فتجتاحه كُله. ومن هنا كان التحدي الأعظم الذي يواجه العالم بأسره في إدارة الأزمة لجائحة (كورونا)، لا سيما وأن لانتشار هذه الجائحة ظروف خاصة، لم تأتِ نتيجة ظروف طبيعية خارج إرادة الإنسان، بل إن كل المؤشرات تشير إلى أنَّ هذا الوباء جاء نتيجة تفشي فيروس كان في مرحلة التصنيع البيولوجي لاستخدامه ضمن منظومة أسلحة (الحرب البيولوجية)، ولكن لسبب تقني، تسرب الفيروس مما أدى إلى تفشي هذا الوباء من أقصى الأرض إلى أقصاها، ليحصد أرواح آلاف الأبرياء وملايين الإصابات، مما نتج عنه أزمة ضخمة تكاد تكون غير مسبوقة في عالمنا المُعاصر، فلم يحدث من قبل أن فُرضت قيود السفر حول العالم بهذا الشكل الواسع، فلم تنجح من قبل الحروب والصراعات المُسلحة ولا حتى الإرهاب في ذروته عندما استهدف أمن العالم وسياحته وحرياته فيما نجحت فيه كورونا، فالحروب والصراعات المسلحة والإرهاب يكون الهدف بؤرة واحدة أو أكثر، وبما أن أزمة كورونا لا تزال قائمة فإنني سوف أتناول الفرق بين إدارة الأزمة، والإدارة بالأزمة. فإدارة الأزمة مُصطلح معنيٌ بالطرق والأساليب العلمية التي تتخذها المُؤسسات والهيئات للسيطرة والتغلب على ما تواجهه من أزمات، من خلال إدارة حكيمة وبشكل أمثل، بما يضمن نجاحات متتالية، أو على الأقل استقرار للوضع الراهن. أما عن الإدارة بالأزمة فهو مُصطلح معنيٌ بالطرق والأساليب التي تتبعها بعض المؤسسات والهيئات لافتعال أزمات وخلقها من العدم، لصرف الأنظار عن المُشكلات الأساسية التي تواجهها، أو لإخفاء مُشكلات قائمة تهددها، فتختلق أزمات خلف أزمات. فأهم ما يُميز إدارة الأزمة: (سرعة إصدار القرارات، وسرعة التنفيذ مع الأخذ بنظام التفويض وسرعة التنسيق) ومن أهم الأخطاء الشائعة في إدارة الأزمة: (الهرولة والتسرع في تنفيذ الإجراءات، واتباع وسائل حل الأزمة دون تخطيط مُسبق بدعوى أن الأزمة تحتاج إلى سرعة تنفيذ ولا يوجد وقت للتخطيط)، ولكن بالرجوع إلى التجارب الناجحة والتي أشادت بها مُنظمة الصحة العالمية في إدارة أزمة كورونا تجربة المملكة العربية السعودية والتي تنبأت بظهور الفيروس وخطورة نتائجه المتوقعة (السيناريو المُتشائم للأزمة)؛ بدأت المملكة في تنفيذ مراحل إدارة الأزمة (الرصد، المُتابعة، التحليل، اتخاذ القرار في الوقت المُناسب، التنفيذ)، فبعد الرصد بدأت مرحلة التخطيط بناءً على معلومات وردت من مراكز التحليل والدراسات، وورش العمل المُتعددة التي تسلمت تلك التنبؤات وحولتها إلى معلومات ووضعت السيناريوهات المُتوقعة، مع الوضع في الاعتبار السيناريو المُتشائم حتى لا نصل إليه، ومن هنا تبدأ عملية التنظيم وهيكلة فرق العمل التي تعمل في ضوء استراتيجيات وسياسات مُحددة. كل ما سبق: وكأننا نتناول مهارات إدارة الأزمة لدولة (المملكة العربية السعودية)، والتي نجحت في إدارة أزمة فيروس كورونا، فهذه هي الإدارة العليا التي تابعت مدى خطورة الأمر من خلال مراكز الأبحاث العلمية المعملية، والمعلومات الواردة لها من مراكز المعلومات واتخاذ القرار، فقامت بتشكيل فرق العمل والتي تعمل على التوازي كلٌ في مهمته، وتتحمل مسؤولية مكافحة الفيروس بهمة عالية وتحدٍّ مستمر مرتبطين بالولاء لشعبهم. * فهذا فريق العمل الطبي لاستقبال المرضى واكتشاف الحالات والإسعافات اللازمة؛ وهذا فريق المسعفين بسيارات الإسعاف لنقل المرضى وعمل الإسعافات الأولية اللازمة؛ علاوة على فريق البحث العلمي العاكف في معمله ومختبراته لمعرفة سلوك الفيروس وكيفية مواجهته بالوقاية والاحتياطات اللازمة، ومحاولات اكتشاف العلاج الذي يقضي عليه؛ وهذا فريق الإعلام الذي يخاطب الجمهور بالضوابط والتعليمات اللازمة التي تقرها الإدارة وعرض جميع بيانات الحدث بكل شفافية، مع بث روح الأمل والطمأنينة للمواطنين؛ وهذا فريق عمال النظافة الذي لا يقل أهمية عن باقي الفرق، حيث العمل الدؤوب والنظافة المستمرة والتطهير اللازم لجميع أماكن التجمعات؛ وهذا فريق نظم المعلومات المسؤول عن شبكات التواصل والبرامج التي تُسهل تقديم الخدمات للشعب والعاملين بإدارة الأزمة، حتى وصلوا لإعداد barcode لكل فرد من أفراد الشعب لدقة متابعته؛ وهذا فريق الإنشاءات الذي يتولى التشييد والتعمير والصيانة من مستشفيات ميدانية لاستقبال المرضى وعنابر للحجر الصحي وغيرها؛ وهذا فريق الإمداد والتموين من مشتريات وتخزين الأدوات والمستلزمات الوقائية، بل وضمان الإمداد لاحتياجات معيشة أفراد الشعب من سلع وغيرها؛ وفريق المعلمين وأعضاء هيئة التدريس والقائمين على العملية التعليمية، الذين يحملون مهمة استمرار العملية التعليمية بكل الوسائل حتى لا يسقط جيل بأكمله من الحصول على قسطه وحصته التعليمية؛ وفريق الدعم المعنوي الذي يحمل مهمة بث التفاؤل والطمأنينة بين أفراد الشعب؛ وفريق رجال الدين والدعوة والإرشاد والمسؤولين عن توجيه الأفراد إلى التذكير بالله واللجوء إليه، والدعاء له برفع الغمة؛ فريق علماء الاقتصاد، الذي يتولى دراسة الآثار السلبية الاقتصادية والمالية المترتبة على الأزمة ومعالجتها؛ وهذا فريق وزارة الداخلية الذي يتولى ضبط الشارع، ومتابعة تنفيذ قرارات الإدارة ومساندة الفرق الأخرى. تضافرت كافة الجهود من أجل الحفاظ على المُكتسبات، للوصول بالأزمة إلى بر الأمان. هذه هي مهارة إدارة الأزمات وتطبيقها على أخطر وأصعب أزمة يمر بها العالم، ليتني أضع هذه المقالة بين يدي متخذي القرار في الدول العربية والإسلامية، وبين إدارات المؤسسات والمنظمات الكبرى حتى نتعلم كيفية السير للقضاء على الفيروس، بطريقة مُمَنهجة علمية فعالة دون الحركة بشكل عشوائي. وفي النهاية أقول: إن قيادة المملكة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده - حفظهم الله - ومن خلفهم وزارة الصحة، عندما تناولوا جميعاً أزمة كورونا أثبتوا للعالم أنها قيادة على قدر عالٍ من المصداقية والكفاءة والفعالية، وبقراراتها الحكيمة والقوية التي اتخذتها في مُكافحة هذه الجائحة، تثبث أنها قادرة على إدارة الأزمات بكل كفاءة واقتدار، هكذا سيُسطر التاريخ إدارة أزمة كورونا في المملكة العربية السعودية على جدول الأعمال العالمي لفترة طويلة، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك دولاً وبلداناً أخرى تتناول إدارة الأزمة باختلاق أزمات جديدة؛ وهذا هو الفرق بين إدارة الأزمة والإدارة بالأزمة. * أستاذ الاقتصاد والقانون المالي المساعد